بقلم : عبد اللطيف المناوي
منذ اقتربت من سواحل غزة السفينة مادلين، التى تحمل نشطاء من عدة دول، ومساعدات إنسانية ليست بالكبيرة، فى محاولة (رمزية) لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة من قوات الاحتلال الإسرائيلى. الهدف كان بسيطًا، وهو إيصال مساعدات طبية وغذائية قليلة لسكان القطاع الذين يعيشون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية فى العالم، لكن البحرية الإسرائيلية كان لها رأى آخر، فقد اعترضت قوات الاحتلال السفينة، وسيطرت عليها، واقتادتها لميناء أشدود، وألقت القبض على طاقمها.
قطاع غزة، الذى كانت تقصده السفينة مادلين، يعانى من أوضاع كارثية نتيجة حرب الإبادة الإسرائيلية التى بدأت فى أكتوبر ٢٠٢٣، وتسببت فى دمار واسع للبنية التحتية، وبحسب تقرير للأمم المتحدة فإن ٨٠٪ من مبانى غزة السكنية دمرت أو تضررت بشكل بالغ، بما يشمل المستشفيات والمدارس وشبكات المياه والكهرباء.
الحرب لم تقتصر على التدمير، بل تبعها حصار مشدد يمنع دخول المساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل. تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أشار إلى أن أكثر من ٧٠٪ من سكان غزة يواجهون انعدام الأمن الغذائى، بينما يعانى النظام الصحى من انهيار شبه تام بسبب نقص الأدوية والإمدادات الطبية.
ورغم المطالبات الدولية بالسماح بإدخال المساعدات، واصلت إسرائيل فرض قيودها الصارمة على المعابر البرية والبحرية، بما يشبه السجن، ومنعت أى محاولات لوصول المساعدات إلى داخل القطاع، اللهم إلا المساعدات الأمريكية فقط، والتى تسيطر قوات الاحتلال على توزيعها.
بمنع السفينة مادلين، تواصل إسرائيل سياسة يبدو أنها تستهدف الإبقاء على الوضع الإنسانى فى غزة عند حدوده الدنيا، بما يرقى إلى استخدام الحصار كأداة ضغط جماعى ضد المدنيين. هذا النوع من السياسات يخالف كافة العهود والاتفاقات الدولية، التى تحظر العقاب الجماعى للسكان المدنيين. فى ظل هذه الظروف، وفى ظل منع السفينة مادلين من الوصول إلى مبتغاها، نتساءل عن موقف المجتمع الدولى، حتى الآن، لم يصدر سوى بيانات شجب دون اتخاذ خطوات عملية لوقف الحصار أو حماية القوافل الإنسانية.
تدخل السفينة مادلين سجل اختبارات الضمير العالمى، إذ إن اعتراض سفينة إنسانية فى المياه الدولية دون مقاومة حقيقية من المنظمات الدولية أو القوى الكبرى يكشف حجم العجز عن فرض القانون الدولى عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
ورغم أن نصوص القانون الإنسانى واضحة فى ضمان حرية مرور المساعدات للسكان المدنيين المحاصرين، فإن التطبيق يغيب تمامًا، إذ فشلت الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، بل وحتى الدول المؤثرة التى تنادى بحقوق الإنسان، فى اتخاذ موقف رادع. هذا الفشل يعيد التأكيد على أن ازدواجية المعايير مازالت تحكم العلاقات الدولية، خصوصًا فى القضايا المتعلقة بفلسطين.
إن استمرار هذا السقوط يفاقم معاناة سكان القطاع، ويدفع الأوضاع نحو كارثة إنسانية أكبر، ويضع المجتمع الدولى أمام مسؤولية تاريخية، فهل ينجح الضمير العالمى هذه المرة أم ستكون النتيجة: ساقط؟.