بقلم : عبد اللطيف المناوي
الاتفاق الأخير بين أمريكا والصين بشأن خفض الرسوم الجمركية لا يمكن اعتباره حدثًا عاديًا فى ظل التصعيد المستمر بين الطرفين، والذى زادت حدته وتسارعت وتيرته بعد دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض للمرة الثانية.
الإعلان عن تقليص واشنطن للرسوم على الواردات الصينية من ١٤٥٪ إلى ٣٠٪، وخفض بكين رسومها على السلع الأمريكية من ١٢٥٪ إلى ١٠٪ لمدة ٩٠ يومًا، يمثل لحظة مهمة فى العلاقة المتوترة بين أكبر اقتصادين فى العالم.. لكن السؤال الذى يفرض نفسه هنا: هل نحن أمام انفراجة فعلية، أم أننا أمام لعبة قط وفأر، وهما الآن فى مرحلة الهدوء التى تسبق عاصفة جديدة؟
البيان المشترك الصادر فى جنيف، وتصريحات كبار المسؤولين فى البلدين، توحى بوجود رغبة فى تجنب أزمة اقتصادية فى البلدين، بل هى أزمة للعالم كله، غير أن التاريخ يعلمنا أن الحذر واجب، فقد سبق للطرفين أن أعلنا عن تهدئة فى ٢٠١٨، لكنها لم تصمد طويلاً، ما أدى إلى تصعيد أثر على كل اقتصاديات العالم.
الجانب الأمريكى يريد تجارة أكثر توازنًا، ويريد تقليصًا للعجز التجارى، وهذه النقطة بالتحديد كانت وما زالت حجر الأساس فى سياسات ترامب التجارية، لهذا فقد يكون التراجع الأمريكى فى مسألة فرض الرسوم فى حقيقته مراجعة للموقف من جانب الرئيس الأمريكى، وربما كذلك يكون مناورة من مناوراته المتعددة التى اعتدناها خلال الشهور السابقة.
الحقيقة أن الأسواق العالمية رحبت بسرعة بهذا الاتفاق، إذ ارتفعت الأسهم الصينية، وسجل عائد السندات الأمريكية لأجل ١٠ سنوات أعلى مستوى له منذ شهر، فى دلالة على أن المستثمرين يرون فى الاتفاق خطوة لخفض التوترات.
ولكن لأن شهور ترامب الأخيرة عوّدت العالم على عدم الثقة فى حديثه، فربما يتراجع ترامب عن الاتفاق، ويعيد فرض الجمارك كما هى، هو فقط هنا يؤجلها أو يعيد صياغتها. فالرئيس الذى جعل من «أمريكا عظمى من جديد» شعارًا لحملته الانتخابية، يدرك أن الأمريكيين يشعرون بثقل الرسوم الجمركية، خصوصًا مع تصاعد التضخم والتباطؤ الاقتصادى العالمى.
فى المقابل، يبدو أن الصين تلعب هى الأخرى لعبة الانتظار، إذ حصلت على تخفيف فورى فى الرسوم دون أن تقدم تنازلات تُذكر، ما يتيح لها الاستمرار فى التنفس اقتصاديًا وتحسين موقعها التفاوضى، خصوصًا أن عددًا من دول العالم أبدى استعداده للتعاون معها ضد القرارات الأمريكية الترامبية.
فى رأيى أن الاتفاق هو هدوء مرحلى، ربما يُنبئ بانفراجة استراتيجية، ولكن من الضرورى أن تُترجم النوايا الحسنة إلى اتفاق شامل ملزم، وإلا فإن العالم سيكون على نفس ترقبه وقلقه بعد ثلاثة أشهر (موعد انتهاء الهدنة أو الاتفاق)، لتبدأ جولة جديدة من الحرب التجارية، التى أكرر سيتضرر منها العالم بأسره وليس أمريكا والصين وحدهما.