بقلم : عبد اللطيف المناوي
في لحظةٍ يُفترض أن تكون من أجمل لحظات الفرح والتلاقى، تستقبل غزة العيد الرابع على التوالى تحت القصف والحصار والدمار والجوع، في ظروف يمكن وصفها بأنها من أكثر ما شهده العالم لا إنسانية، وسط صمتٍ دولى مطبق أو مواقف باهتة لا ترقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليونى إنسان محاصر في شريط لا تتجاوز مساحته ٣٦٥ كيلومترًا مربعًا. عيد بلا بيوت، بلا خبز، بلا أمل.
بحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن أكثر من ٧٠٪ من سكان غزة أصبحوا بلا مأوى، بعد أن دُمرت أو تضررت بشكل بالغ أكثر من ٦٠٪ من المبانى السكنية بفعل القصف الإسرائيلى منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ بينما تشير إحصائيات حكومية غير نهائية إلى أن نسبة الدمار الشامل وصلت إلى ٨٨ في المائة. ويعيش مئات الآلاف في خيام أو مدارس متهالكة أو حتى في العراء، دون مياه صالحة للشرب أو طعام كافٍ أو خدمات طبية أساسية.
في العيد، لم يرتد الأطفال في غزة الجديد، ولم يحصلوا على الهدايا، ولم يزوروا أقاربهم. أما اليوم، فالأطفال هم الأكثر تضررًا: حوالى عشرين ألف طفل فقدوا أحد والديهم أو كليهما، بحسب منظمة «أنقذوا الأطفال»، وآلاف آخرون يعانون من إصابات جسدية أو صدمات نفسية عميقة. قُتل أكثر من خمسين ألف فلسطينى في غزة خلال الحرب المستمرة، بحسب وزارة الصحة في القطاع، نصفهم من النساء والأطفال. المجاعة تطرق الأبواب، تقرير صادر عن برنامج الغذاء العالمى في مايو ٢٠٢٥ أكد أن أكثر من مليون فلسطينى في غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائى الحاد، مع تسجيل حالات وفاة بسبب الجوع، خاصة في شمال القطاع.
على الرغم من وضوح الكارثة الإنسانية بالأدلة والصور اليومية، فإن المجتمع الدولى لم يتمكن من فرض وقف دائم لإطلاق النار أو فتح ممرات إنسانية آمنة. الاكتفاء بالدعوات والتصريحات لم يوقف القصف ولم يُطعم الجائعين. حتى قرارات مجلس الأمن غالبًا ما تُواجه بالتعطيل أو لا تُنفّذ.
بعض الأصوات ارتفعت – في جنوب إفريقيا، وإيرلندا، وبلدان لاتينية – لإدانة الجرائم المرتكبة، لكن لم يُترجم أي منها إلى تدخل حقيقى لوقف الكارثة. والأسوأ، أن بعض الدول واصلت تزويد إسرائيل بالسلاح، رغم التقارير الأممية حول الاستخدام غير المتناسب للقوة.
إن استمرار هذا الوضع ليس فقط مأساة لشعب غزة، بل اختبار قاسٍ للضمير الإنسانى العالمى. وإذا عجز العالم عن وقف هذه المأساة المتواصلة، فالسؤال الكبير ليس عن غزة فقط، بل عن معنى الإنسانية نفسها: هل فقد العالم قدرته على الشعور؟ وهل أصبح الظلم مشهدًا عاديًا؟.
غزة اليوم ليست فقط قضية شعب تحت النار، بل مرآة تعكس مدى استعداد هذا العالم للدفاع عن الإنسان.. أو تركه يذبح في صمت.