بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى لحظة فارقة أخرى تمر بها المنطقة العربية انعقدت أمس قمة عربية أخرى، رقمها المسلسل (34)، ومقر انعقادها بغداد. تأتى القمة فى مرحلة يبدو أنها ترتبط بإعادة التموضع الإقليمى، بعد جولة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الخليج. من هنا، يمكن وصف هذه القمة بـ«قمة ما بعد ترامب»، بكل ما تحمله من دلالات سياسية ودبلوماسية.
يعد انعقاد القمة فى العاصمة العراقية، ذات الرمزية التاريخية والسياسية، بمثابة إعلان عودة بغداد إلى لعب دور فى صياغة المواقف العربية، بعد عقود من التهميش الأمنى والسياسى.
رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى أكد أن بلاده تسعى إلى دور ريادى جديد فى المنطقة، قائلًا إن القمة تعكس رغبة العراق فى الانتقال من ردود الأفعال إلى التأثير الإقليمى الفاعل، وتجسيد رؤية مشتركة لمواجهة التحديات التى تهدد الأمن العربى.
إلى رأس الأولويات بعد أن غابت فى وجود ترامب فى المنطقة، فقط أعرب عن رغبته فى «امتلاك غزة» وتحويلها إلى «منطقة حرية»، فى طرح وصفه المراقبون بأنه يشرعن تهجير السكان وإعادة هندسة الجغرافيا السياسية لصالح إسرائيل.
فى المقابل، وصل الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى بغداد مبكرًا، فيما أكد رئيس الوزراء الفلسطينى محمد مصطفى أن القمة ستتناول القضية الفلسطينية «بشكل واسع»، وستسعى إلى قرارات حاسمة لوقف الحرب فى غزة، واستكمال ما تم الاتفاق عليه فى قمة القاهرة الأخيرة بشأن إعادة الإعمار وعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع. ويُنتظر أن تقدم القمة بديلًا عربيًا واضحًا لمقترحات ترامب، يقوم على إنهاء العدوان، وتثبيت الحلول السياسية القائمة على قيام دولة فلسطينية مستقلة.
يمكن إطلاق وصف «الحضور المربك والملف المعقد» على مشاركة سوريا فى القمة. الوفد الرسمى برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيبانى، بعد اعتذار الرئيس الانتقالى أحمد الشرع عن عدم الحضور، فى ظل احتجاجات عراقية على دعوته، وتضارب المواقف حول شرعيته. وتشير مصادر أمنية إلى وجود مذكرة توقيف عراقية قديمة بحق الشرع، مما فاقم من الجدل حول حضوره. وتأتى مشاركة دمشق وسط تحديات تواجهها السلطة السورية الجديدة فى ترسيخ حكمها، خاصة بعد لقاء ترامب بالشرع فى الرياض ورفعه للعقوبات عن سوريا، مقابل مطالب بالانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل ومحاربة داعش والحركات الإرهابية.
أيضًا، يتزامن انعقاد القمة مع مفاوضات نووية جديدة تجرى بين إدارة ترامب وطهران بوساطة عمانية. وتشير تصريحات ترامب إلى اقتراب «تسوية مشروطة» مع إيران، ما يثير قلق العديد من الدول العربية، خاصة الخليجية، من احتمال إبقاء النفوذ الإيرانى عبر الوكلاء، رغم كبح الطموحات النووية. ولم تُختبر بعد التطمينات التى «نثرها» فى المنطقة أثناء زيارته.
قمة بغداد يمكن أن تكون أكثر من مجرد حدث دبلوماسى، يمكن أن تكون لحظة استثنائية تتلاقى فيها التحديات والفرص. ويمكن جدًا أن تكون مجرد حدث عابر يحمل رقما مسلسلًا.