هنا بيروت التعدديةُ ثراءٌ لا إقصاء

هنا بيروت: التعدديةُ ثراءٌ... لا إقصاء

هنا بيروت: التعدديةُ ثراءٌ... لا إقصاء

 العرب اليوم -

هنا بيروت التعدديةُ ثراءٌ لا إقصاء

بقلم : فاطمة ناعوت

من مكارم الأخلاق، أن تحبَّ للناس ما تحبّه لنفسك، وألا ترضى للآخرين ما لا ترضاه لنفسك. فى هذا يقول «ابن عربى»: «العارفُ مَن يرى كلَّ نفسٍ كنفسه، وكلَّ وجعٍ كوجعه، فلا يرضى لنفسٍ ما لا يرضاه لنفسه». فإذا كنت تكرهُ أن تُقتَل أو تُعذَّب أو تُظلم أو تُقصى أو تُهمّش أو تُنتقصَ حقوقُك بسبب عقيدتك، فكيف تقبلُ هذا على المختلف عنك عقديًّا؟! فإن كنتَ من الأكثرية الدينية فى بلد، فقد تكونُ غدًا من الأقلية الدينية فى بلد آخر من هذا الكوكب الذى يضمُّ أكثر من 4000 ديانة ومعتقد، فضلًا عن المذاهب والطوائف. ولهذا لا سبيلَ للتعامل مع هذى السيولة النسبية؛ إلا باحترام حق كل إنسان فى الحياة والمواطنة الكريمة، مهما كان معتقدُه. فتلك مشيئةُ الله فى تعدد البشر واختلاف وجهات نظرهم وتباين رؤاهم، «ولو شاء ربُّك لجعل الناسَ أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين».

هنا «بيروت» الجميلة. رغم القصف الإسرائيلى على إحدى ضواحى جنوب بيروت الذى استقبلنا يوم وصولنا إلى لبنان يوم 27 أبريل، للمشاركة فى «المؤتمر الإقليمى لحرية الدين والمعتقد» الذى تنظّمه «مؤسسة أديان» سنويًّا، إلا أن مصافحتنا لأولئك الشباب الواعد غسلت الحَزَنَ التى يخزُ القلوب كلما شهدنا ظلمَ الإنسان وتجبّره بسبب شهوات التسيُّد والتسلُّط والاستعمار والأنوية. مجموعة من الشباب المثقف تترأسهم الدكتورة «نايلا طبارة»، الأستاذة الجامعية والباحثة فى علوم الأديان والدراسات الإسلامية، وصاحبة كتاب «الرحابة الإلهية» بالشراكة مع الأب «فادى ضوّ»، والذى سوف أُفرد له مقالًا مستقلًا بإذن الله. آمن أولئك الشباب المثقف بأن التعددية الدينية لا يجب أن تكون مصدرًا للشقاق والاختصام والنبذ والإقصاء، بل للإثراء البشرى والنهوض بالمجتمعات والتقدم الإنسانى. اجتمعوا على تلك المبادئ الإنسانية العُليا فأسسوا عام 2006 «مؤسسة أديان» التى تسعى إلى بناء عالم يحتضن التنوّع الدينى والثقافى، حيث هذا التنوّع مصدرُ غِنًى وتفاهم وتعزيز للمواطنة الشاملة، والتنمية الإبداعية، والسلام المستدام، والتضامن الروحى. وتعمل المؤسسة محليًا وإقليميًا ودوليًا للنهوض بالتعليم من خلال تطوير برامج تعليمية تعزز العيش المشترك والمواطنة الحاضنة للتنوّع، وتقديم أبحاث ودراسات حول التنوّع الدينى والثقافى وسبل إدارته، والمساهمة فى تطوير سياسات تعزز التعددية والعدالة الاجتماعية، وكذلك فى مجال الإعلام من خلال إنتاج محتوى إعلامى حضارى يُكرّسُ قيم التفاهم والتعايش ونبذ خطاب الكراهية، عطفًا على بناء شبكات مجتمعية تعزز التضامن والتعاون بين مختلف الفئات، وإطلاق منصّات تثقيفية مثل: «بحُريّة»، المبادرة الأولى من نوعها فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الهادفة إلى تقديم معلومات شاملة حول وضع حرية الدين والمعتقد فى المنطقة، وتعزيز التعاون بين الأفراد والمنظمات العاملة فى هذا المجال.

بصوت يعلو فوق صخب النزاعات والقصف، اجتمعنا فى بيروت، المدينة الساحرة التى طالما حملت فوق أكتافها تبعات التعددية والتنوّع. برعاية «مؤسسة أديان»، انطلق مؤتمر حرية الدين والمعتقد، ليضع سؤال الحرية الفردية على طاولة النقاش الجاد. وعلى مدى يومين كانت الجلسات الحوارية من الثراء والتنوّع الإنسانى والعقدى وحكايا ضحايا القمع الدينى فى مختلف بلدان العالم بحيث شعرنا بوجع الموجوعين وآلام فقد الأهل تحت معاول العنف والإقصاء والقمع، فشعر كلٌّ منّا بوخز تأنيب الضمير، وكأننا الجُناة، كوننا نتشارك مع القُساة هذا الكوكب المنذور للشقاء. كان اللقاءُ أكثر من كونه مؤتمرًا أكاديميًّا حاشدًا؛ بل أشبه بورش «القلب المفتوح»، حيث اختلط الهم الفكرى بالوجع الإنسانى بالشجن الروحى، وحيث تلاقت قلوبُ الباحثين، والنشطاء، والمفكرين، على حلم واحد: مواطَنة صحية تضمن حرية الإيمان والاعتقاد دون خوف أو نفاق.

يقول الشيخ الأكبر «محيى الدين ابن عربى»: «لن تبلغَ من الدين شيئًا حتى توقِّرَ جميعَ الخلائق». ومن هنا أكد المشاركون فى المؤتمر، الذى جمع باحثين وأكاديميين ومثقفين وقادة دينيين من مختلف أنحاء العالم، على مبدأ «الكرامة الإنسانية» كقيمة أساسية مشتركة بين الأديان، واحترام فكرة التعددية الدينية وحتمية التعايش السلمى بين أتباع الديانات المختلفة، والحق فى ممارسة الشعائر الدينية فى أمان، ورفض الإكراه الدينى والتمييز العنصرى على أساس الدين أو المعتقد. تستند هذه المبادئ (البديهية) إلى قواسم مشتركة فى التعاليم الدينية المختلفة، وهو ما يستدعى تقديم خطاب دينى مشترك يدعم حقوق الإنسان فى الحياة بكرامة تحت مظلة الاختلاف العقائدى والتنوع الدينى والطائفى والمذهبى.

الأديانُ فى جوهرها ملاذٌ للرحمة والحنوّ، فكيف ومتى سمحنا بأن تكون أداة قمع وتجبّر؟! علينا تذكّر مقولة «مارتن لوثر كينج» عام 1965 فى معرض تنديده بالعنصرية العرقية فى أمريكا: «علينا أن نتعلم العيش معًا كإخوة، وإلا الفناء معًا كأغبياء». شكرًا للقائمين على هذا المؤتمر الغنى الذى ناقش جوهر الكرامة الإنسانية وحقّ الإنسان فى العيش دون خوف من البطش باسم العنصرية العقدية.

arabstoday

GMT 06:51 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

ليفربول وبهجة الاحتفال ودرجة صلاح

GMT 06:50 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

برشلونة يغرد بصاروخ كوندى!

GMT 06:48 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

كولر ويوروشيتش.. ما هو الفرق؟

GMT 06:25 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

جوائز الدورى الإنجليزى

GMT 06:22 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

لماذا المفاجأة من كلام عبدالناصر؟!

GMT 06:19 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

لقاء الساعات الخمس مع وزير الخارجية

GMT 06:17 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

‎الحريات تقتل الشائعات

GMT 06:12 2025 الخميس ,01 أيار / مايو

عيد “الإهمال” العالمي!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنا بيروت التعدديةُ ثراءٌ لا إقصاء هنا بيروت التعدديةُ ثراءٌ لا إقصاء



ميريام فارس تتألق بإطلالات ربيعية مبهجة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:07 2025 الثلاثاء ,29 إبريل / نيسان

اعوجاج العمود الفقري ما أسبابه وكيف يعالج

GMT 03:01 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

استشهاد 70 شخصًا فى قطاع غزة خلال 24 ساعة

GMT 12:53 2025 الثلاثاء ,29 إبريل / نيسان

أزمة “الحزب” شيعيّة… وليست في مكان آخر!

GMT 00:58 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

أوغندا تعلن السيطرة على تفشي وباء إيبولا

GMT 02:57 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

الطيران الأميركي يستهدف السجن الاحتياطي

GMT 02:45 2025 الثلاثاء ,29 إبريل / نيسان

عبد الناصر يدفن عبد الناصر

GMT 06:14 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

يقول كتاب السياحة

GMT 01:04 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

قصف مبنى في ضاحية بيروت عقب تحذير إسرائيلي

GMT 08:22 2025 الأربعاء ,30 إبريل / نيسان

هل يوجد توقيت غير مريب لبث الاعترافات؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab