بريطانيا تخسرُ الحربَ ضد مُهرّبي البشر

بريطانيا تخسرُ الحربَ ضد مُهرّبي البشر

بريطانيا تخسرُ الحربَ ضد مُهرّبي البشر

 العرب اليوم -

بريطانيا تخسرُ الحربَ ضد مُهرّبي البشر

بقلم : جمعة بوكليب

في الحرب الدائرة بين الحكومة البريطانية وشبكات مهرّبي البشر، تبدو النتيجة غير مرضية وفي صالح الأخيرة. الوعود الانتخابية التي أطلقها السير كير ستارمر بالقضاء على تلك الشبكات الإجرامية المتخصصة في تهريب البشر لم تتحقق بعد. وعلى ما يبدو، لم يعُد أمام الحكومة العمالية من مشاجب شاغرة لتعلِّق عليها الفشل، وتتنصل من المسؤولية.

حين اخترع الإنسان المشاجب كان بغرض استخدامها في تعليق ملابسه. ثم عَنَّ له، فيما بعد، توسيع دائرة الاستخدام لتشمل أشياء أخرى مثل تعليق تنصّله من المسؤولية، بتمريرها ووضعها على ظهر غيره. يبدو ذلك أكثر وضوحاً في عالم السياسة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، استنفد المسؤولون في الحكومة العمالية البريطانية الأعذار والتبريرات لفشلهم في إيجاد حلول لأزمة تدفق المهاجرين غير القانونيين عبر القنال الإنجليزي، قادمين من فرنسا. ولم يعد أمامهم سوى تعليق اللوم والمسؤولية على مشجب فصل الصيف إن أمكن، بوصفه الفصل الذي يتآمر فيه الطقس مع المهربين ضد الحكومة؛ كي يفاقم الأزمة بزيادة كبيرة في أعداد المهاجرين الواصلين على قوارب مطاطية صغيرة إلى الساحل البريطاني.

أكثر من 50 ألف مهاجر غير قانوني عبروا القنال الإنجليزي، ووصلوا إلى بريطانيا، منذ وصول السير كير ستارمر إلى «10 داوننغ ستريت» في يوم الرابع من يوليو (تموز) عام 2024، استناداً إلى الإحصاءات الصادرة عن وزارة الداخلية البريطانية.

يوم الأربعاء الماضي، صدرت صحيفة «التايمز» البريطانية بصورة كبيرة تحتل الصفحة الأمامية، تصوّر جماعة من المهاجرين على الشاطئ الفرنسي للقنال، بالقرب من دنكرك، وهم يتراكضون سراعاً في مياه البحر للوصول إلى القوارب المطاطية التي ستتولى نقلهم إلى الفردوس المأمول والموعود، الواقع على الناحية الأخرى من القناة. قالت الصحيفة إن عدد 474 مهاجراً ضُبطوا واصلين إلى بريطانيا يوم الاثنين الماضي. وفي يوم الخميس قالت الأخبار إن قارباً مطاطياً وصل من فرنسا وعلى متنه عدد 106 مهاجرين.

في بريطانيا، ومنذ بدء تدفق المهاجرين عبر القنال، كل الحلول والحيل القانونية جرّبت. كل التحذيرات والتهديدات بالسجن والترحيل إلى بلد ثالث اُستُهلكتْ، ولم تقف عائقاً بين المهاجرين وركوب البحر وعبور القنال. مئات الملايين من الجنيهات دفعتها الحكومة البريطانية لنظيرتها الفرنسية مقابل تكثيف حراسة الشواطئ، وتجنيد الحرس، وشراء الأجهزة الإلكترونية الدقيقة لمراقبة السواحل ولم تُجدِ فتيلاً. العديد من الاتفاقات أُبرمت من دون جدوى. كما أن إلقاء اللوم والمسؤولية على حكومات المحافظين السابقة لم يعُد يسترعي انتباهاً، وفي الوقت ذاته تزداد أعدادُ المهاجرين، وتزداد معها احتجاجات المواطنين بوضع حدٍّ لتدفقهم.

موسم الهجرة إلى بريطانيا طويل، ولا يقتصر على فصل الصيف، بل يتمدد شاملاً كلَّ فصول العام. لكن فصل الصيف يتميز عنها بكونه الأكثر ملاءمة طقسياً لحركة القوارب المطاطية، المثقلة بحمولتها البشرية من المهاجرين غير القانونيين.

تجمّعات أولئك المهاجرين الواصلين، في فنادق مؤجرة من قبل الحكومة، تقع في أحياء سكنية في مناطق مختلفة من بريطانيا، بدأت تثير السخط والشغب. إذ تسببت أخيراً في ازدياد مظاهرات الاحتجاج وأعمال العنف، بفضل نشاط جماعات اليمين المتطرف. كما قامت بعض الأحياء بإنشاء فرق حماية من الرجال تقوم بمهمة مراقبة المهاجرين وردعهم.

الحكومة العمالية الحالية وغيرها من الحكومات السابقة لها من حزب «المحافظين» لم تجد حلولاً للإشكالية. إذ كانت كل الحلول تسقط ميتة أمام منصّات القضاة في المحاكم. ولذلك السبب، تعززت مطالب الداعين إلى خروج بريطانيا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، على اعتبار أنّها العقبة الكأداء التي تحْول دون خطط الحكومة الرامية إلى إبعاد المهاجرين بترحيلهم إلى بلد ثالث.

بريطانيا ليست وحدها في ذلك. جهود الحكومة الإيطالية ونجاحها في إقناع حكومة ألبانيا بقبول إقامة مهاجرين مقابل مبالغ مالية وقفت في المطب القانوني نفسه. وهذا يفسر إلى حد بعيد مطالب العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر في اتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، بحيث تستجيب لحاجات الدول الأعضاء في ترحيل المهاجرين.

تطويع القوانين ليس أمراً جديداً. القانون الوضعي ليس نَصّاً دينياً إلهياً. إذ من الممكن أن يُلغى ويُركن على رف، أو يُوسّع بمرونة يَخبُرها أهل الاختصاص، تسمح للحكومات بالنفاذ من بين ثغرات نصوصه كما ينفذ جملٌ من سَمِّ خياطْ. إلا أن ذلك يستغرق وقتاً لا تملكه حكومة السير كير ستارمر أمام ما يظهر لها من نتائج في استبيانات الرأي العام كل أسبوع، مشيرة إلى انحدار في شعبيتها بين الناخبين بشكل لافت، يهدد باحتمال خسارة الانتخابات النيابية المقبلة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا تخسرُ الحربَ ضد مُهرّبي البشر بريطانيا تخسرُ الحربَ ضد مُهرّبي البشر



سيرين عبد النور تتألق بمجوهرات فاخرة وأزياء أنيقة في مختلف المناسبات

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 06:48 2025 الأحد ,17 آب / أغسطس

طوفان الكراهية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab