ليبيا العودة إلى مرحلة الحَبْو

ليبيا: العودة إلى مرحلة الحَبْو

ليبيا: العودة إلى مرحلة الحَبْو

 العرب اليوم -

ليبيا العودة إلى مرحلة الحَبْو

بقلم : جمعة بوكليب

قبل إجادته النطق وتعلّم الكلام، يمر الوليد الآدمي بمرحلة اللثغ. وقبل وقوفه على قدمَيْن وتعلّم المشي، يكون قد مرّ بمرحلة الحَبْو، أي التحرّك ببطء على يدَيْه وركبتَيْه.

مرحلة الحَبْو تُعدُّ قصيرة، إلا أنّها تطول أحياناً، لأسباب أغلبها يعود إلى أمور صحّية يتعرّض لها الوليد. والأمر نفسه، وباختلاف، يطول مسيرة الدول والأمم والشعوب خلال مراحل تاريخها؛ إذ لا أحد منها وُلد واقفاً على قدمين.

قبل تعلّم المشي كان الحَبْو. والتاريخ الإنساني، على اختلاف مراحله، يُعدُّ سجلاً موثقاً لمسيرة التطور الإنساني والحضاري. وهي مسيرة طويلة وبانحناءات كثيرة، وانتكاسات مريرة.

في بدايات الخمسينات من القرن الماضي، شهدت خريطة العالم ظهور دول مستقلة جديدة، بأعلام وأناشيد وطنية. ومن ضمنها بلدي ليبيا، التي استقلّت في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1951. المسافة الزمنية بين تاريخ الاستقلال والوقت الحالي تجاوزت السبعين عاماً. وتُعدّ كافية جداً، بالمعايير كافّة، لكي تتجاوز الدولة الليبية مرحلة الحَبْو، وتبدأ مسيرة النهوض والمشي والسير في ركب الأمم. إلا أن الزائر لليبيا هذه الأيام، أو حتى خلال السنوات الماضية، يكتشف العكس. فالدولة الفتيّة شاخت وتفتتت. والمجتمع تشظّى. والنسيج الاجتماعي تمزّق، وبدلاً من دولة ليبية، وُجدت، حالياً وفعلياً، اثنتان على الأرض. والاثنتان في حالة حليلة من التخبط والفوضى والنهب.

كما ينتكس الوليد صحياً، أو يُصاب بداء الإعاقة، تتعرّض الأمم والشعوب إلى نكسات. بعضها يمكن الشفاء منه، وبعضها يصيبها بإعاقة. فتبدو في وضعية مثيرة للشفقة. والذين عرفوا ليبيا في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، خصوصاً في مرحلة النهوض الإداري والتعليمي الصحي والأمني، لربما يتذكرون المستقبل المأمول والموعود الذي كان ينتظرها. إلا أن تلك الفورة النهضوية سرعان ما تعرّضت للبتر، على أيدي انقلاب عسكري في عام 1969. تلك كانت أولى النكسات. ذلك أن المخلّص الذي جاء مبشّراً بالخلاص من الرجعية، وبالتحرر من الاستعمار، تحوّل إلى مستبد عنيد، أدخل البلاد والعباد في أنفاق معتمة، وأهدر ثرواتها في مغامرات سياسية وعسكرية فاشلة. وكل ذلك كان على حساب قطاعات أساسية؛ مثل: التعليم، والصحة، والمواصلات.

النكسة الأخرى كانت بسقوط النظام العسكري في فبراير (شباط) من عام 2011؛ إذ كان المتوقع أن التخلص من الاستبداد قد يحرّر الشعب من أصفاده، ويسعى جاهداً لتعويض ما فاته، واللحاق بمن سبقه من الشعوب والأمم. لكنّ التوقعات كانت لا تتطابق وواقع الأحوال. وبدلاً من الانطلاق إلى الأمام، عادت ليبيا إلى مرحلة الحبو، والزحف على اليدَيْن والركبتَيْن.

الأمل هو الفرق بين مرحلة الحبو الأولى، التي بدأت بعد الاستقلال، والانتكاسة الحالية التي تعيشها البلاد. في مرحلة ما بعد الاستقلال مباشرة، ورغم الدمار الذي سبّبه الاستعمار الفاشي الإيطالي، والدمار الذي لحق بها من جرّاء المعارك التي جرت على ترابها بين جيوش الحلفاء والمحور، والفقر وقلة الموارد، فإن الليبيين، شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً، كانوا مسكونين بالأمل، وعلى ثقة بالله وبالمستقبل. وجزاهم الله على صبرهم بأن منّ عليهم باكتشاف النفط.

ذلك الأمل اختفى متبدداً مثل رماد في فضاء، ومكانه حل يأس مُرّ وقاسٍ في قلوب الليبيين، وهم يرون بلادهم تنتكس وتعود القهقرى، إلى مرحلة الحبو، وكأنها لم تعرف يوماً الوقوف على قدمَيْن والمشي.

العالم ينطلق إلى العلا وليبيا تغوص في الوحل بفعل أبنائها.

arabstoday

GMT 12:08 2025 الجمعة ,09 أيار / مايو

استسلام الحوثيين... البداية

GMT 12:05 2025 الجمعة ,09 أيار / مايو

يوم الفرار الرهيب: الجنوب يتساقط

GMT 12:03 2025 الجمعة ,09 أيار / مايو

الميليشيات لا تحرر ولا تُنشئ دولاً!

GMT 11:50 2025 الجمعة ,09 أيار / مايو

«الشيخ» بيل غيتس

GMT 11:48 2025 الجمعة ,09 أيار / مايو

أوكرانيا: المرحلة التالية من الحرب

GMT 11:45 2025 الجمعة ,09 أيار / مايو

الالتفات إلى المهمشين في العالم

GMT 11:44 2025 الجمعة ,09 أيار / مايو

تلك اليد الخفية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليبيا العودة إلى مرحلة الحَبْو ليبيا العودة إلى مرحلة الحَبْو



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:40 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

السلاح الذي دمّر غزّة… ويهدد لبنان!

GMT 05:57 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

بلزوني: نهاية القصة!... عودة أخرى

GMT 13:35 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

هل السلام مستحيل حقّاً؟

GMT 07:13 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

بسمة بوسيل تخوض أولى تجاربها في التمثيل

GMT 13:55 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

سوريا تتجه لفرض قيود على استيراد السيارات

GMT 13:38 2025 الأربعاء ,07 أيار / مايو

مصطفى محمد يهاجم مدرب نانت بتصريحات قوية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab