الميليشيات والشّرعيّات استدامة مستحيلة

الميليشيات والشّرعيّات: استدامة مستحيلة

الميليشيات والشّرعيّات: استدامة مستحيلة

 العرب اليوم -

الميليشيات والشّرعيّات استدامة مستحيلة

بقلم : نبيل عمرو

أفرز الصراع العربي الإسرائيلي تشكيلات قتالية اتّخذت سمة الميليشيات التي منحت نفسها شرعيّة الدافع والهدف، ووفّرت بذلك حاضنات شعبية منحتها الإمكانات والدعم، ووجدت إسناداً من دول خارجية غالباً ما كان يسمّى بالتحالف.

لقد تضاعفت “شعبيّات” هذه التشكيلات من خلال ضعف بنى وقدرات الدول ذات الشرعيّات الدستورية، في مواجهة احتلال إسرائيل لبعض أراضيها، وفي الحالة الفلسطينية لكلّ أراضيها.

 

كانت شرعيّة الدافع والهدف التي استندت إليها التشكيلات القتالية وتغطّت بها تمرّ بحالات فيها انسجام مع سياسات الدول المقيمة على أرضها، مثلما حدث في لبنان، حين توافقت غالبية القوى السياسية والدولة على تبنّي المقاومة بزعامة “الحزب”، وحدث ما يشبه ذلك في الأردن عقب حرب الخامس من حزيران 1967، حين نمت واتّسعت التشكيلات القتالية الفلسطينية الأردنية على الضفّة الشرقية، وأنتجت معركة الكرامة المشتركة التي وفّرت للتشكيلات المسلّحة شرعية الدافع والهدف، فحظيت بعطف شعبي ورسمي شامل، وهذا ما دعا الملك الراحل الحسين بن طلال إلى وصف نفسه بالفدائي الأوّل، ودعا الراحل جمال عبدالناصر إلى أن يعلن أنّ المقاومة الفلسطينية هي أنبل ظاهرة في العصر، وقد وُجدت لتبقى.

غير أنّ الانسجام بين الدول ذات الشرعيّات الدستورية وبين التشكيلات المسلّحة ما كان له أن يتكرّس ويتجذّر ويصبح ثابتاً في واقع الدول، فوقع الانفجار الحتمي بين القوّتين المسلّحتين مثلما حدث في الأردن عام 1970، وبصورة مختلفة حدث في لبنان من خلال الحروب الأهلية المركّبة التي عصفت به، وما يزال يعاني من تداعياتها حتى أيّامنا هذه.
أفرز الصراع العربي الإسرائيلي تشكيلات قتالية اتّخذت سمة الميليشيات التي منحت نفسها شرعيّة الدافع والهدف

تكاليفٌ باهظة

هذه خلفيّة عامّة مستمدّة من وقائع الماضي، غير أنّ ما يجري الآن، وخصّيصاً في فلسطين ولبنان، حيث الصراع بين التشكيلات المسلّحة والشرعيّات، أنتج حروباً وكوارث، كحرب الإبادة في فلسطين وحرب الإسناد في لبنان.

في فلسطين تكوّنت التشكيلات القتالية وأسّست لِذاتها شرعية قائمة على مقاومة الاحتلال، وتمتّعت بحاضنة شعبية مكّنتها من الفوز في الانتخابات التي أسّستها الشرعية الدستورية، وسهّلت عليها الاستيلاء المطلق على الحكم والقرار في غزة، والتنافس على الشعبية وحتّى الحكم في الضفّة.

كان فعل التشكيلات المسلّحة في الضفّة وغزّة باهظ التكاليف والتضحيات والخسائر من كلّ النواحي، غير أنّ الخسارة الأفدح كانت من نصيب الشعب وقضيّته، حيث الإبادة الجماعية في غزة والإبادة المتدرّجة في الضفّة، وانفتاح شهيّة إسرائيل على مزيد من التوغّل في إلغاء الحقوق الأساسية الإنسانية والسياسية للشعب الفلسطيني، والشيء ذاته حدث في لبنان، حيث لم تقتصر الخسارات الفادحة على بنية وقادة وأفراد “الحزب” ومن معه، وهذا ما لا ينكره “الحزب” ولا يتوقّف عن الاعتراف به، بل دفع الثمن لبنان كلّه.

الشرعية الدستورية في لبنان هي من أوجدت المخرج السياسي لـ”الحزب”، الذي خاض معركة الإسناد بكلّ ما انطوت عليه من خسائر فادحة وقعت، وأكثر فداحة لو تواصلت.

أمّا في فلسطين، حيث حرب مصير حماس والسلطة والفصائل والقضيّة والناس تتواصل وتشتدّ سياسياً وعسكرياً، فقد تأخّر الفلسطينيون كثيراً في الاستفادة من الدرس اللبناني، على الرغم من أنّهم الأكثر احتياجاً إليه، فلا السلطة في الضفّة، التي تتمتّع بصفة الشرعية الدستورية الفلسطينية، ولا حتى منظمة التحرير، في وضع يسمح لهما التحدّث باسم الفلسطينيين جميعاً، ولا حماس، التي تملك مفاتيح سلطة أو شرعيّة الأمر الواقع في غزة، تجد الصيغة التي تستفيد بها من شرعية السلطة والمنظّمة، مع أنّه لا مخرج لها في حرب بقائها سوى هذا المخرج.
في فلسطين تكوّنت التشكيلات القتالية وأسّست لِذاتها شرعية قائمة على مقاومة الاحتلال، وتمتّعت بحاضنة شعبية مكّنتها من الفوز في الانتخابات

بعيداً من المكابرة

في هذا الزمن تراجعت قدرات الميليشيات في أكثر من مكان بعدما أُثخنت بالجراح، وخسرت الكثير من ساحات إسنادها ومن كانت تصفهم بحلفائها، ولم يعد أمامها من مخرج سوى المشاركة في الشرعيّات الدستورية بالانتماء إليها والالتزام بسياساتها، وذلك لا يعني أنّ الشرعية الدستورية كانت دائماً على صواب في تكوينها وسياساتها وأدائها، غير أنّها تظلّ من خلال الاعتراف بها والتعامل الدولي معها، أسلم المخارج للميليشيات في زمن المفاضلة بين الصعب والأكثر صعوبة.

غير أنّ انحسار هوامش التشكيلات المسلّحة لا يعني إغلاق الهوامش أمام العمل الوطني لإنهاء الاحتلالات الواقعة على الأراضي اللبنانية والفلسطينية. ومن خلال دراسة موضوعية لكلّ ما حدث، فإنّ اندماج القوى في منظومة عمل موحّدة داخل الكيانات ذات الشرعية الدستورية، وتوظيف الطاقات جميعاً في نسق وطني وقومي، وقدر الإمكان إقليمي ودولي، هما الأكثر فاعلية وجدوى إذا ما أحسنّا قراءة ما حدث من كلّ جوانبه، دون تزوير أو ادّعاء أو مكابرة في غير محلّها.

arabstoday

GMT 11:21 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظ أفضل وراحة بال

GMT 11:19 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

صوت الجندي المكتوم في قارورة بحرية!

GMT 11:17 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الجفاف يجتاح إيران وحرب مياه في أفق المنطقة

GMT 11:13 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

سقوط الفاشر... هل يُكرر السيناريو الليبي؟

GMT 11:10 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

سرقة متحف اللوفر

GMT 11:06 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

السيدة المعجزة

GMT 10:57 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وحلم الولاية الثالثة

GMT 10:55 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ساركوزي ولعنة ليبيا والقذافي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الميليشيات والشّرعيّات استدامة مستحيلة الميليشيات والشّرعيّات استدامة مستحيلة



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 23:17 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
 العرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 20:23 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة إلى سموتريتش: السعودية دولة تملك التاريخ والجغرافيا

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 07:26 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نادين الراسي ترقص بعفوية في دبي وتكشف سر الـ Six pack

GMT 11:57 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

يتيمة العصر

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك... المُطلق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab