من السهل درْس أيّ تنظيمٍ إرهابي من زاويا ومحاور عامة مثل طُرق التجنيد ومناطق الانتشار وظروف التأسيس أو عدد العمليّات المنفّذة.
غير أن الأصعب تقصي أسس التنظيم بوصفه شبكة لها تعقيداتها وألغازها وغوامضها. البعض يختصر «حزب الله» بمجموعة مارقة تحمل بعض الصواريخ والبنادق، يجب ضربهم وانتهى الموضوع. والواقع عكس ذلك، إن «حزب الله» منظومة مركّبة، وأتفق مع مقولة صالح المشنوق بـ«أن مشكلة لبنان في ميليشيا (حزب الله) وفي مافيا (حزب الله)».
بمعنىً آخر أن تدمير السلاح لا يعني نهاية البنية المافياوية للحزب، وهذا عنصر تحدٍّ كبير للدولة وللإقليم والعالم.
معلومٌ أن التنظيمات الإرهابية والمافياوية والعصابات الإجرامية، وكل المنظّمات العابرة للحدود، لا يمكن أن تبقى وتصمد إلا عبر المصادر المالية غير الشرعية، وعلى رأسها غسل الأموال، وهذا مارسه «حزب الله» تحت غطاء مؤسساتٍ خيرية وأخرى اجتماعية. أو الاتجار في البشر كما في الشبكة غير الأخلاقية التابعة لـ«حزب الله» التي قُبض على زعيمها في فبراير (شباط) 2019 واعترف بذلك. أو بتهريب المخدرات، فقبل أيام قُبض على واحدٍ من كبار المصنّعين والمروّجين، وهو نوح زعيتر الذي كان يظهر على الشاشات وهو مسلّح ويدافع عن «حزب الله»؛ إنه تصرف يعبّر عن قمة الاستهتار بالدولة.
وبغضّ النظر إن كان («سقوط (بارون) المخدرات في لبنان: قرار أمني أم صفقة غامضة؟») كما هو عنوان مقال الصحافي طوني بولس في مقالته بـ«الإندبندنت»، إلا أن المؤكد أن التهريب قد تجاوز هدف التمويل، ودخل وتغلغل في النُّظم المالية العامة، وهنا الكارثة.
وبالعودة إلى مقال بولس فهو يرى أن الكميات المهولة للحبوب المهرّبة: «لا تشير إلى (تهريب فردي)، بل إلى شبكة مترامية الأطراف، يتداخل فيها الإنتاج السوري مع التوزيع اللبناني، في ظل حماية سياسية وأمنية واضحة، ودعم لوجيستي يسمح بحركة شاحنات كبيرة تعبر الحدود ليلاً ونهاراً، وتتجه إلى مرفأ بيروت، لتُشحن لاحقاً في حاويات صناعية وبحرية نحو الخارج. هذا النشاط الضخم ما كان ليترعرع لولا وجود (غطاء رسمي). وهذا صحيح».
وفي السياق ذاته ثمة دراسة مهمة وأساسية للسيد محمد الحسيني بعنوان: «كبتاغون (حزب الله) من الزراعة والإنتاج وصولاً للتوزيع والأهداف الاستراتيجية»، طبعت ضمن كتاب: «التنشئة على التطرف (حزب الله) نموذجاً - الإطار النظري»، صدر حديثاً عن مركز المسبار للدراسات والبحوث.
والحسيني معروف أنه من الفاعلين السابقين في «حزب الله»، وعالم بدهاليز الحزب منذ تأسيسه، لقد طرح في مادته معلومات موثقة، وضمّنها بخرائط عديدة.
يرى الحسيني أن «حسن نصر الله أعلن لأنصاره أن (تهريب المخدرات أمر مقبول أخلاقياً عندما تُباع المخدرات إلى الغربيين بوصفها جزءاً من الحرب ضد أعداء الإسلام). حاول (حزب الله) على مدى سنوات تجذير فكرة (المقاومة) لدى أنصاره، واعتبارها قضية لا يجب المساس بها حتى من قبل سلطة الدولة، منصّباً نفسه المدافع عن قضايا الأمة، انطلاقاً من لبنان وصولاً لفلسطين، وهو ما يجعل له أن يبيح كل ما هو ممنوع من أجل دعم (مقاومته) المزعومة».
لكن ماذا عن الآلية والمواد الأساسية؟!
يجيب الحسيني أن «تجارة الكبتاغون تُعد من أهم الموارد المالية لـ(حزب الله)، وكذلك لميليشيات نظام الأسد، ومن أشهر المخدرات وأكثرها ربحاً التي موّلت خزائن (حزب الله) بمئات ملايين الدولارات. وبسبب انخفاض سعر تكلفته، وانخفاض سعر مبيعه بالنسبة إلى باقي أنواع المخدرات الأخرى، لاقى الكبتاغون انتشاراً هائلاً في الاستعمال وطلباً متزايداً. وأرباح حبّة الكبتاغون قد تصل لعشرة أضعاف تكلفة صنعها، وتُعد هذه التجارة أكثر ربحاً من زراعة أو تجارة باقي أنواع المخدرات. يستورد (حزب الله) المواد الخام في صناعة المخدرات من دول عدة، حيث يتم استيراد مادة المورفين الأساسية من أفغانستان أو من المثلث الذهبي الآسيوي، ومادة الكوكايين الأساسية من أميركا الجنوبية، خصوصاً كولومبيا والبرازيل والباراغواي، وكان يتم تصنيع الهيروين والكوكايين والكراك من هذه المواد في مختبرات بمنطقة البقاع اللبناني».
الخلاصة؛ أن شرط هزيمة «حزب الله» بالكامل يكمن باستهداف كل بنيته. ثمة أذرع إجرام موازية تدرّ عشرات الملايين للحزب وعلى رأسها التجارة بالمخدرات وترويجها في الإقليم والعالم.
صحيحٌ أن كل التنظيمات الإرهابية تاجرت في المخدرات، إلا أن تجربة «حزب الله» أكثر خطورةً وفتكاً.