إحياء الضمير الأخلاقي

إحياء الضمير الأخلاقي

إحياء الضمير الأخلاقي

 العرب اليوم -

إحياء الضمير الأخلاقي

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لا شيء أكثر ذاتيةً وأنانيةً من الاغتباط بجنازة إنسانٍ مات، واستعماله لمستقبلك ومشروعك الخاص، أو لنجوميّتك المحضة، بوقتٍ تكون فيه الأسرة المعنيّة في أوج حزنها وصدمتها.

هذا ما لاحظتُه في يوميات عزاء الفنان اللبناني زياد الرحباني، حيث ضمنت جنازته وتوديعه الأخير فرصاً لبعض النجوم من الفنانين والفنانات لاستثمار هذا الحدث لمصالحهم ولمشاريعهم، بل وبوابةً للدعايةِ لذواتهم واستعراض أشكالهم وأغراضهم.

إن استعمال الحدث المأساوي للظهور بشكل منفرد عن الغير والتنافس على الاقتراب من الراحلين يعبّر عن مأساوية مضاعفة منبعها الغرور وسُكنى الذات. إنه ضرب من الترويج الخاص، بوصف الجنازة التي أمام أولئك النجوم فرصةً سانحةً، سواء بغية التباهي بالمظهر، أو محاولة الاحتكاك المبالغ فيه وغير المسؤول مع المكلومين بالحزن، والمزايدة على المعنيين بالفقد، وهنا تحتل الذات موقع الأخلاق بشكلٍ يصعب وصفه أو تبريره أو تحليله.

أن تشاهد جنازةً فإنك تشاهد نفسك يوماً ما؛ وبالتالي فإن من الواجب على الكل احترام الحالة والحدث بعيداً عن التباهي الذاتي. كما أن الغلو في إثبات الحضور يتضمن تلقائياً عدم تقدير للموقف؛ بل يعبّر عن استعمال دعائي لحدث حزين لترويج المشروع الدنيوي والقنطرة نحو ذلك استخدام جنازة يتابع مجرياتها جمع غفير من الناس.

لقد تبدّت حالات الغلو بالذات في ابتسامات غريبة، ومشيات متبخترةٍ، وتنافس بين النجوم على الأشياء والمظاهر، وهذا يؤذي المسؤولين عن الحدث الحزين، ويثير التأفف لدى أصغر المتابعين البعيدين.

ثمة عويل في مواقع السوشيال وكأن النجم يرى في هذا الراحل أو ذاك غنيمة له، بل ولقمة سائغة يمكنها أن تدعم مشروعه الخاص ونجوميته الصاعدة، وربما حاول البعض بهذا التصرف القفز على إرث جمهور الراحل أو ادعى قربه منه... وكما قال محمود درويش: «يحبّونني ميتاً ليقولوا: لقد كان منا وكان لنا».

للجنازة هيبتها واحترامها، إذ نرى في حضرتها إنساناً انتقل من دنياه إلى مصيره، لقد عبر الجسر، وهذا هو الانتقال الذي يخافه كل إنسان. وعليه فإن احترام لحظة الانتقال فريضة أخلاقية عند كافة الثقافات والأديان والشعوب.

من المثير للاستغراب أن يتنافس النجوم على قربهم من تابوتٍ حزين، باستعمال الماركات والاستعراضات وادعاءات صداقةٍ وقربٍ من الراحل؛ ومن ثم يفبركون كيف استقبلوا بالعزاء بطريقة أفضل مما استقبل بها هذا المنافس أو ذاك. من المخيف ألا يفرق البعض بين العزاء الأسود الحزين، وبين سجاجيد النجوم الحمراء وحفلات الجوائز والتكريم.

في العزاءات يفترض غلبة المشاعر على الكلمات. الموت بوصفه ذروة قصوى بالمعنى الفلسفي يجب أن يؤخذ على محمل الجد. إنه ليس حفلة استعراض، ولا ساحة لصفقات التنافس، ولا معرضاً لفرض الذات على الذات.

مفهوم التعزية يعني مواساة الآخر، وليس استعراض المظهر؛ يعني تبنّي مفهوم الإنسان وغلبته على إرادات الهيمنة والغلبة التدافعية الدنيوية الذئبية. أن تعزّي يعني أن لا تعزل نفسك عن الحدث فأنت جزء منه. الموت يعيش معك فهو جزءٌ من الحياة، وكما في قصيدة تشيزاري بافيزي:

«سيجيء الموت وستكون له عيناكِ..

هذا الموت الذي يرافقنا..

من الصباح إلى المساء..

أرِقاً، أصمَّ..

كحسرة عتيقة».

الخلاصة؛ أن المشهد الأخير الذي رأيناه من قبل النجوم وأهل السوشيال وهم يمتطون أجهزتهم للتباهي الذاتي والتصوير إنما يعبّر عن تقهقر أخلاقي لدى الإنسان؛ إنه استعمالٌ أناني محض لحدثٍ مؤثر، وفيه استفزاز للإنسان نفسه، كيف وصل الإنسان إلى هذا المستوى من الاستهتار بالمأساة؟!

تلك ملحوظة ضرورية من أجل إحياء الضمير الأخلاقي فينا بدلاً من غلبة الذات والنجومية على مأساوية الآخر وأحزانه، بل واستغلال واستعمال واستثمار آلامه.

arabstoday

GMT 08:39 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

جورج عبدالله بوصفه مستقبل “الحزب”

GMT 08:35 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

سيف العرب

GMT 08:32 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

«إخوانجيَّة تل أبيب» وتساؤلات

GMT 08:30 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

«فامباير»... «داعش» يستيقظ

GMT 08:26 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

... عن القرار واللاقرار اللبنانيّين

GMT 08:06 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

أيام العرب في الجاهلية... مرةً أخرى

GMT 07:13 2025 الأحد ,03 آب / أغسطس

كرة القدم وحركة المساواة النسائية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إحياء الضمير الأخلاقي إحياء الضمير الأخلاقي



إليسا تتألق بفستان مرصع بالكريستالات وتخطف الأنظار بإطلالات فاخرة

جدة ـ العرب اليوم

GMT 17:04 2025 الجمعة ,01 آب / أغسطس

سامو زين يعود للإخراج بعد غياب 15 عاماً
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab