التفوّق السينمائي والإحراجات الفلسفية

التفوّق السينمائي والإحراجات الفلسفية

التفوّق السينمائي والإحراجات الفلسفية

 العرب اليوم -

التفوّق السينمائي والإحراجات الفلسفية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لطالما أحرجت السينما المجالات العلميّة بسبب حيويتها العالية وتطوّرها المخيف. لقد أثرت على علاقات العلوم بعضها ببعض من العلوم الطبيعية، إلى النظرية، بل غذّت بعض المفاهيم الفلسفية؛ كما أثّرت النظرية الفلسفية على المشهدية السينمائية؛ وهذا لبّ النقاش هنا.

شرحتُ في كتاب: «أعلامٌ من الطراز الرفيع»، كيف أن الصورة تربتُ على كتف المشاهد بسطوعها. فعبر وميض الفيلم، تُسيّل الشخصيات، وتُنحت وتصاغ البطولات، وتُشعَل نيران العواطف، وترمي الصور شرر أيقوناتٍ، وتمرّ المعاني عبر الثيمات والعلامات.

إن الصورة السينمائية سطح ممهّد لأنواع المسرحة والركض، بها يصنع الوهم الجميل، ويشيّد الواقع بقبحه وجماله، تجيء السينما لتكون أخصّ من الصورة بزمانيتها ومكانيتها، لتكون الفضاء الكاسر للحدّ التعريفي وللحدود المكانية.

نعم؛ تشتغل السينما على اللحظة، والومضة، والسمة، وهي شغّالة على الجزء من بين الكل، وربما صنعت ثيمة شاملة ضمن مشروعٍ إخراجي، أو تركيز بصري، كما في التركيز على «اليد» في أفلام روبير بريسون، وهي موضع محاضرة للفيلسوف الفرنسي جيل دلوز؛ حيث يستطرد حول موضوع «اليد في سينما بريسون».

يقول دلوز في محاضرته: «إن السينما تحتوي على الكثير من أشكال الفلسفة، غير أن المسافة عند بريسون تعدُّ شكلاً مميزاً من أشكال المسافة، وتم تجديدها واستخدامها مرة أخرى وبطرقٍ إبداعية من قبل مبدعين آخرين، ولكنني أعتقد أن بريسون كان من أوائل مَن صنعوا المسافة من خلال قطعٍ صغيرة غير متصلة فيما بينها، بمعنى أنها قطع صغيرة لم يتم تحديد اتصالها بشكلٍ محدد سلفاً».

ومما جدَّد هذا التفاعل والنقاش ما كتبه الأستاذ خالد الغنامي قبل أيامٍ بهذه الجريدة بمقالةٍ مهمة بعنوان: «هل للسينما أن تتفلسف؟».

بيت القصيد في مقالته قوله إن «ثمة اعتراضاً مفاده أن السينما مشغولة بالخيال بينما تُعنى الفلسفة بالحقائق الكونية. فكيف يُمكن للفيلم، وهو غارق في التفاصيل، أن يكون له أي علاقة بالفلسفة؟ هذا الاعتراض قُلب فوراً رأساً على عقب عندما وجدنا أن السرديات الخيالية يُمكن العثور عليها بسهولة في النصوص الفلسفية نفسها، المشبعة بالميتافيزيقا. قصة كهف أفلاطون هي في حد ذاتها تجربة فكرية، سرد يجسد صورة وسيناريو لا يُنسيان، مصممين لإثارة أسئلة عامة حول دور التجربة الحسية، وطبيعة المعرفة، وطبيعة التنوير الفلسفي نفسه. من المفارقات لجوء أفلاطون إلى (سرد) يجسد صورة لا تُنسى، من أجل القول إن الصور ليس لها مكان في الخطاب الفلسفي! وحقّاً، هو يستخدم سرداً يُساعد في إنشاء سرد أكبر يُنظر فيه إلى الفلسفة نفسها على أنها تنشأ من خلال رفض السرد لصالح خطاب عقلاني مكرّس للحقائق الكلية».

من هنا أعلّق بتمييز آخر: إن السينما يمكنها أن تبدي أشكالاً من التفلسف، ولكن من المستحيل أن تكون مجالاً فلسفياً بالمعنيين الحيويّ والنظري.

السينما يمكنها أن تتضمن تمثّلات بصرية متفوّقة، متجاوبة مع الفلسفة والطبيعة والكشوفات الحديثة، بل حتى مع مجالات السياسة والطبابة، ولكن من دون أن تكون ضمن النظرية الصلبة لتلك العلوم.

إن تأثر السينما بالفلسفة واقعٌ وماثل، وآية ذلك أن المفهوم لدى الفلاسفة يمكنه أن يتجسّد بشخصية معيّنة، بل ربما يظهر هذا التمثّل أكثر حيويّةً من المفهوم الفلسفي المشروح بالمتون العتيدة.

الخلاصة؛ أن السؤال عن قدرة السينما على التفلسف أفسّره بهذه الصيغة: هل تأثر الفلاسفة في نظرياتهم بالصورة وبالسينما؟! الإجابة نعم. وهل تأثر عباقرة الإخراج والتمثيل بالفلسفة؟! الإجابة أيضاً نعم.

وعليه، فإن تركيز جيل دلوز مثلاً في شرحه للسينما والصورة والفلسفة يعني أن ثمة سطحاً متشابكاً بين هذين المجالين، ولكن بطريقة ضمن أشكالٍ مبهرةٍ، لا ضمن مفاهيم فلسفية صارمة.

إن موضوع تفوّق السينما يأتي من صورٍ وتخيّلات، كثير منها يستحيل أن نراها في وجودنا، ولكنها بالتأكيد تتجاوب مع مخيّلتنا.

لا يمكننا أن نعدّ السينما ضمن المجال الفلسفي، ولكن لا يمكن للسينما الاستغناء عن فضاءات الفلسفة والعلوم الحيّة.

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفوّق السينمائي والإحراجات الفلسفية التفوّق السينمائي والإحراجات الفلسفية



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:39 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

مصرع 10 رجال إطفاء في احتواء حريق بتركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab