بقلم - حسن المستكاوي
** كان مشهد ميسى وهو يلعب ويجرى ويراوغ خصوم برشلونة ويبدو كأنه يقهقه بضحكة عالية، كان مثل «طفل يلعب بكرته الخاصة ويلهو فى حديقة منزله، ومعه مجموعة من الأصدقاء وجه إليهم الدعوة كى يتلاعب بهم، وهم راضون بذلك ويوافقون، ويستمتعون بما يفعله بهم»..
وكنت رسمت تلك الصورة الذهنية كى أعبر عن مهارات ميسى.. لكننا اليوم أمام طفل آخر فى برشلونة، يدعى يامين جمال فى إعلامنا، ويدعى يامين يامال فى إعلام الأجانب، ويدعى «جميل جمال» عند المعلق الشهير حفيظ دراجى. وفى مباراة برشلونة والإنتر قبل نهائى أبطال أوروبا مارس يامين جمال مداعبة الكرة، والجرى بها، ومراوغة نجوم دفاع إنتر، ويخدع الجميع ويفاجئ الجمهور بألعاب غير متوقعة، وينتزع أهات المعلقين. ورغم أنه يرفض مقارنته بالساحر الأرجنتينى ميسى، فقد كان مثله، فى ملعب «لويس كومبانيز الأولمبى» يبدو مثل طفل يلهو بكرته فى حديقة منزله. وهو ما عبر عنه قبل المباراة بصورة غير مباشرة حين قال: «تركت الخوف فى حديقة ماتارو حيث كنت ألعب بالكرة». وماتارو مجموعة حدائق عامة غنية بالزهور والألوان فى برشلونة.
** هناك فى العالم الآخر لكرة القدم يحترمون المواهب والمبدعين، وقبل مباراته رقم 100 مع برشلونة فى قبل نهائى أبطال أوروبا كان الاحتفال بهذا النجم الصغير يليق بنجم كبير. وانظروا كيف تحدث هذا الطفل: «تركت الخوف فى ماتارو، وتلك المباريات الكبيرة لا تمثل ضغطا، لا بل أراها أجواء ممتعة، تمامًا كما كانت فى نهائى كأس الملك. أدخل المباريات بهدف الاستمتاع وليس التوتر».. مضيفا: «إنتر فريق قوى جدًا من الناحية الدفاعية، ويجيد الهجمات المرتدة بشكل مميز، لكننا أيضًا فريق ممتاز وسنبذل كل ما لدينا من أجل التأهل» . وعن نشأته فى لا ماسيا، قال: «الانتماء للنادى يصنع فرقًا كبيرًا. اللاعب القادم من لا ماسيا يشعر بالقميص بطريقة مختلفة عن الوافد من خارج النادى».
** لاعب عمره 17 سنة قبل مباراة كبيرة، يتحدث بهذه الثقة والبلاغة ويملك لسانا فصيحا كما قدمه الفصيحة فى التعبير عن إبداعاته ومهاراته. وقد كانت المباراة واحدة من تلك المباريات التى يستخدم فيها الإعلام شرقا وغربا كلمات مثل «الروعة.. والمتعة.. والجنون..» بينما هذا فقط بات احتكارا تمتلكه المسابقات الكبرى، والفرق الكبرى، فى القارة الكبرى.. إنهم يلعبون كرة القدم مختلفة، يصعب أن نشاهدها خارج أوروبا، خاصة بعد أن أدرك الأوروبيون أن اللعبة صناعة، بينما هى ببلاد أخرى خارجها ما زالت زراعة، مع حبى الشديد للزراعة كزراعة.
** الذين يقارنون بين نتائج فريق وما أصابه من هزائم بمباراة صعبة وكبيرة، عليهم مراجعة تلك المقارنات والتوقف عنها، ألا تكفى مئات المباريات المشحونة بالدراما فى كرة القدم، فإذا كان الإنتر تعثر وهزم فى ثلاث مباريات قبل مواجهة برشلونة، فإنه قدم عرضا ممتعا وقويا بقيادة المايسترو إنزاجى. تقدم الفريق بهدف بكعب تورام فى 30 ثانية، ثم بهدف ثان سجله دينزل دومفريس، وعاد برشلونة بهدف، لامين جمال، ثم سجل دومفريس الهدف الثالث بمشهد لعبة من ألعاب الكرة الطائرة حين قفز أربعة لاعبين لاستقبال كرة قادمة من ضربة ركنية فكانت من نصيب رابعهم ليسجل . ثم بعد دقيقتين قدم برشلونة جملة بديعة من كورنر بعزف ثنائى بين يامين جمال ورافيينا، والهدفان من حصة: «كيف تسجل من الضربات الركنية الثابتة؟» لمن يلعبون الضربة الركنية بنفس الطريقة التى كان الآباء والأجداد يلعبون بها: «بالونة منفوخة بالهيليوم، تهيم داخل صندوق المنافس بلاهدف، ويشاهدها من أسفل أبناء اللعبة وهم فى غاية السعادة!».
** حصة أخرى قدمها الأستاذ إنزاجى: «نعم يمكن أن تدافع بقوة أمام فريق قوى جدا مثل برشلونة، ولكن دفاعك يمكن أن يكون فخا للمنافس بهجوم مضاد سريع ورائع».. فالموضوع ليس دفاعا بالجرى خلف المنافس وخلف الكرة أو من الكرة. وإنما بسؤال بسيط: ماذا تفعل حين تمتلك الكرة؟
** شكرا إنزاجى على الحصة. وشكرا هانزى فليك على الحصة، وشكرا برشلونة وإنتر على تلك الحصة فى كرة القدم.