«آل رفعت» بين «الحسد والجندرمة»

«آل رفعت» بين «الحسد والجندرمة»

«آل رفعت» بين «الحسد والجندرمة»

 العرب اليوم -

«آل رفعت» بين «الحسد والجندرمة»

بقلم - د. محمود خليل

تزامن ميلاد الشيخ محمد رفعت مع ترقية أبيه الصاغ محمود رفعت إلى مأمور قسم الخليفة. فرحة غامرة عمّت الأسرة بالمنصب الرفيع الذى حازه «رب البيت»، تعمّقت بالوافد الجميل الجديد الذى شرّف البيت، لكن ثمة أحاسيس بالقلق كانت تتسلل إلى نفس الأب والأم، يختلط فيها الخوف الخالد من الحسد، بالخوف من حالة الاضطراب العام التى تجتاح البلاد بعد اشتعال أحداث الثورة العرابية، والحديث عن وجود الإنجليز على أبواب الإسكندرية. القلق من الحسد بدا طبيعياً، لمَ لا وهو مذكور فى القرآن، والنبى، صلى الله عليه وسلم، يقول كل ذى نعمة محسود، وكذلك التوجّس من الاضطرابات التى تشهدها البلاد جراء الثورة المندلعة كان من الطبيعى أيضاً أن يثير القلق فى نفس الأسرة، خصوصاً بعد أن أصبح عائلها مأموراً لقسم الخليفة، وبات مسئولاً عن الضبط والربط وحماية الأمن العام فى الحى.

الله هو الحافظ للوليد، وقد قال فى كتابه الكريم: «فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».. وكلمة «لا إله إلا الله» سياج حماية للوالد، كيف لا وهى سر من أسرار عمله. فخلال المناوبات الليلية التى يقودها المأمور كان الخطر يختبئ. المصريون جميعهم فى ذلك الوقت كانوا يخشون الليل، ولا تطمئنهم إلا صيحات الضباط والعسس التى تشق صمت الظلام. لم يكن من يسير فى الليل عام 1882 وما قبلها آمناً بحال، وكان الليل يبدأ بعد ساعة ونصف من الغروب، أى عقب صلاة العشاء تقريباً، وكل من يُضبط فى الشارع حينذاك يُلقى القبض عليه، فالظلام لا يسير فيه إلا المجرمون، خصوصاً إذا كانوا لا يحملون فى أيديهم مصابيح الإنارة، أما من يحمل مصباحاً فيوجه له الضباط والعسس السؤال: «مَن هناك؟»، فيرد: «ابن البلد»، فيصيح العسس «وحّد الله» فيرد «لا إله إلا الله».. الكل أياً كانت ملته ملزم بهذا الرد وإلا أُلقى القبض عليه.

«الوليد» محمد رفعت يبدأ فى السعى داخل المنزل مكللاً بمحبة الأم والأب، والدعوات لله بأن ينجو مما يتعرّض له الأطفال فى مثل سنه، فقد كانت الأمراض من أنواع وصنوف مختلفة تعصف بأطفال ذلك الزمان، ليقطفهم الموت فى عمر الزهور، كانت وفاة طفل فى أشهر عمره الأولى حدثاً عادياً متكرّراً، فما يقرب من ربع من يولدون فى كل عام -حينذاك- يخطفهم الموت وهم صغار، بسبب تردى مستوى الخدمات الصحية، ونسبة لا بأس بها تضربها العاهات للسبب نفسه، يضاف إليه الإهمال العام.

فى اللحظات التى كان عود الطفل محمد رفعت يشب ويسير سيراً هادئاً وئيداً خلال أشهر عمره الأولى كان وجه الحياة فى مصر يتغير بعد هزيمة العرابيين ودخول الإنجليز البلاد، وكان لهذا التغير أثر بالغ على حياة الوالد «محمود رفعت». فالعمل فى البوليس أصبح محنة، لأنه عمل فى كنف الاحتلال. ورغم أن مقام ضابط البوليس ارتفع قياساً إلى مقام ضابط الجيش، فإن النظام الذى استحدثه الاحتلال، وجعل صناعة القرار الأمنى فى يد الموظفين الإنجليز، أدى إلى اختلال أوضاع رجال البوليس المصرى، فقبل الاحتلال كان رجل البوليس يقوم بالدوريات ليل نهار بصحبة العسس، والشعلجى الذى يضىء الطريق، والسياف الذى ينفّذ الأحكام، فيطبّق القانون على الجميع (مصريين وأجانب) دون تمييز، خصوصاً من لا يلتزمون بقواعد المرور الليلى أو يتجاوزون الآداب العامة، وغير ذلك. اختلف الأمر بعد الاحتلال، فبات القانون يطبّق على أولاد البلد من المصريين فقط. كيف لا وقد أصبح السير «شارلز برسفور» مسئولاً عن إدارة جهاز الشرطة، وأصدر الخديو توفيق مرسوماً بتعيين السير «فالنتين بيكر» مفتشاً عاماً لقوات الشرطة، كما يقول «ناصر الأنصارى» فى كتابه: «تاريخ أنظمة الشرطة فى مصر».

لم يعد لمأمور قسم الخليفة الضابط محمود رفعت، وأمثاله من الضباط المصريين، الحيثية الأدبية التى كانوا يتمتعون بها قبل الاحتلال، بل أصبحت قوات الجندرمة أكثر قيمة وأهمية من رجال البوليس الذين أصبحوا أشبه بالموظفين المدنيين، مقابل عساكر الجندرمة التى تتسم بطابع أكثر عسكرية منهم، بصورة تشابهت مع قوات الأمن المركزى حالياً.

أصبح العمل فى البوليس معاناة محقّقة بعد الاحتلال الإنجليزى.

arabstoday

GMT 13:52 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة فاشلة؟

GMT 13:47 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحزاب ليست دكاكينَ ولا شللية

GMT 13:45 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

«أبو لولو»... والمناجم

GMT 13:44 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ونصيحة الوزير العُماني

GMT 13:42 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

سراب الوقت والتوأم اللبناني ــ الغزي

GMT 13:41 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هل ينجح ترمب في إنقاذ إسرائيل من نفسها؟

GMT 13:39 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مصرُ... التى من أجلها تُشرقُ الشمسُ

GMT 13:37 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

من القصر إلى الشارع!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«آل رفعت» بين «الحسد والجندرمة» «آل رفعت» بين «الحسد والجندرمة»



شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 00:20 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تطالب إسرائيل بالسماح بدخول الصحفيين الأجانب إلى غزة
 العرب اليوم - واشنطن تطالب إسرائيل بالسماح بدخول الصحفيين الأجانب إلى غزة

GMT 18:44 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

شريهان تتحدث عن مشاركتها في افتتاح المتحف المصري
 العرب اليوم - شريهان تتحدث عن مشاركتها في افتتاح المتحف المصري

GMT 21:24 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 18:09 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

بابا الفاتيكان يجدد دعوته لوقف إطلاق النار في السودان

GMT 02:58 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

طهران تواجه خطر نفاد مياه الشرب بسبب "جفاف تاريخي"

GMT 03:04 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعتزم إعادة قطعة أثرية عمرها 3500 عام إلى مصر

GMT 17:38 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيباني يؤكد التزام بلاده بتعزيز السلم الأهلي

GMT 02:39 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعيد التهديد بالتدخل العسكري ضد نيجيريا برًا أو جوًا

GMT 18:51 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الأمريكي يؤكد أن شي جينبينغ يدرك عواقب غزو تايوان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab