حين تعيش الأفكار

حين تعيش الأفكار

حين تعيش الأفكار

 العرب اليوم -

حين تعيش الأفكار

بقلم - د. محمود خليل

 

إشارة عجيبة لفت الرجل المؤمن من آل فرعون انتباه أهل مصر إليها، وهو يحذرهم من مخاطر مواجهة موسى عليه السلام، فقد ذكّرهم بالنبى السابق عليه والذى يعرفه أهل البلاد جيداً، وهو نبى الله يوسف.. يقول الله تعالى: «وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ باِلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّ ممَّا جَاءَكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ».

تشير هذه الآية إلى جانب شديد الإثارة فى قصة نبى الله يوسف مع أهل مصر، فقد حظى بينهم بمكانة كبيرة بعد أن ساعدهم على مواجهة خطر المجاعة الذى كاد يعصف بهم، ووضع لهم خطة ناجحة اعتمدوا عليهم فى قهر شبح الجوع خلال السنوات السبع العجاف، وأدار مالية مصر بمنتهى الكفاءة، وسلم له البلاط الفرعونى بالقيمة والتميز فى إدارة أمور الدول.

يشير «ابن كثير» فى تفسيره للآية الكريمة السابقة إلى أن أهل مصر أطاعوا «يوسف» فى دعوته للوحدانية، لمجرد الوزارة والجاه الدنيوى، لكن طاعتهم له على المستوى الدينى كانت مشوبة بالريبة: «فَمَا زِلْتُم فى شَكٍّ مما جَاءكُم به»، لكن بعد رحيله اختلفت نظرتهم إلى أفكاره وأصبحوا أكثر احتفاءً بها لفترة من الوقت، لكن سرعان -رغم تمجيدهم للشخص- أن عادوا إلى سابق عهدهم، وتقبلوا تأله فرعون على الله، وأطاعوه فى ضلاله.

كأن الموت يمنح الأفكار حياة بعد رحيل صاحبها، ويبدد الشك الذى أحاط بها وهو على ظهر الدنيا، ذلك على وجه التقريب ما يحدث مع الكثير من المصلحين. وقد كان جمال الدين الأفغانى يردد أن الأديب فى الشرق يموت حياً، ويحيا ميتاً، فى إشارة لموقف المجموع مما يطرحه أى مجدد أو مصلح من أفكار، إذ تقابل بالشك والريبة فى حياته، ثم سرعان ما تأخذ زخماً وقيمة بعد رحيله.

أراد الرجل المؤمن من آل فرعون أن يذكّر أهل مصر بموقفهم من نبى الله يوسف، وهم يشككون فى نبى الله موسى، عليهما السلام، والتذكير بالقوانين التى تحكم العقل حين يفكر هى أقصر الطرق إلى الإقناع، لأنها تضع المرء أمام مرآة نفسه، وتكشف له ارتباك تفكيره، وذلك بالضبط ما فعله الرجل الرشيد، مؤمن آل فرعون، وهو ينصح المصريين.

تحتاج المجموعات البشرية إلى تلك النوعية من الإصلاحيين من حين إلى آخر، فهم يؤدون أدواراً شديدة الأهمية، لأنهم يخرجون من رحم الجماعة، وينصحونها من داخلها، وتتدفق نصائحهم بوعى كامل بالتركيبة العقلية والنفسية لأفراد المجموع، وإن لم تكن النصيحة فى مثل هذه الأحوال مؤثرة فسوف تكون موجعة، مثلما كان حال الرجل المؤمن مع قومه، فقد كانت نصيحته لهم موجعة، وربما يكون بعضهم قد تذكرها فى اللحظة التى ساقهم فيها فرعون إلى الهلاك.

لقد ألقى مؤمن آل فرعون بالنصيحة واكتفى بذلك، ولم يجبر أحداً على شىء، وكان ذلك أيضاً من الرشد فى التفكير والأداء.. فصاحب النصيحة لا يجبر غيره عليها، إنما ينصح ثم يفوض أمره إلى الله، لأن الهدى هدى الله.. بهذا المعنى اختتم مؤمن آل فرعون خطابه لقومه: «فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ».

arabstoday

GMT 01:25 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

الفيل الأميركي والثعلب الإسرائيلي

GMT 01:23 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

مكتبة ولا كتاب

GMT 01:17 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

«فتح» و«حماس» وعبثية اقتتالهما

GMT 01:14 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

التحديات الإنسانية...والفضاءات الفلسفية

GMT 01:09 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

المؤامرة التي تستهدف السودان!

GMT 01:07 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

ديناصورات السيد غوتيريش

GMT 01:04 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

ضوء أخضر يُشعل «لمبات» الكرملين الحمر

GMT 01:02 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

ليست حرب الدفاع عن لبنان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حين تعيش الأفكار حين تعيش الأفكار



إطلالات النجمة إليسا تعكس إحساسها الموسيقي

بيروت ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الإمارات ضمن الوجهات الصيفية الأكثر شعبية للمسافرين

GMT 03:26 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

حزب الله يستهدف منصة القبة الحديدية في إسرائيل
 العرب اليوم - حزب الله يستهدف منصة القبة الحديدية في إسرائيل
 العرب اليوم - تكريم سميحة أيوب عن مشوارها الفني بحضور نجوم الفن

GMT 04:24 2024 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

بايدن يكشف عن "خلافه الرئيسي" مع نتنياهو بشأن غزة
 العرب اليوم - بايدن يكشف عن "خلافه الرئيسي" مع نتنياهو بشأن غزة

GMT 00:25 2024 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

القدس ليست بعيدة عن المؤامرة

GMT 17:00 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

وفاة التركية فاطمة كارانفيل بعد أزمة صحية

GMT 18:12 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

مصرع 12 شخصًا نتيجة فيضانات في جنوب إفريقيا

GMT 05:37 2024 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

أول رائد فضاء تركي يتعرض لحادث على الأرض

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,05 حزيران / يونيو

السعودية تتحرى هلال شهر ذي الحجة مساء غد الخميس

GMT 18:11 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

إجلاء 800 شخص بسبب ثوران بركان جبل "كانلاون" بالفلبين

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

زلزال خطير يضرب مدينة إيشيكاوا في اليابان

GMT 20:01 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

الهند تطلق أول محرك صاروخى مطبوع ثلاثي الأبعاد لها

GMT 12:58 2024 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

"إكس" تسمح بالمحتوى الإباحي على منصتها رسميًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab