القشرة والروح

القشرة والروح

القشرة والروح

 العرب اليوم -

القشرة والروح

بقلم: د. محمود خليل

مفارقة عجيبة تجدها فى موقف بسطاء المصريين وحرافيشهم من حكام أسرة محمد على، مقارنة بموقف من حكموا مصر بعد يوليو 1952 منهم.

لم يتناغم المصريون من أبناء الأحياء الفقيرة فى مصر، من المجايلين لتجربة محمد على، مع سياساته ومشروع حكمه، ويحكى «الجبرتى» أن حرافيش وبسطاء الحسينية والرميلة وبولاق وغيرها من الأحياء الشعبية كانوا الأكثر غضباً على الوالى، على عكس طبقة المستفيدين، من التجار والمشايخ والأعيان، ومالوا إلى الانتفاض أو تشجيع بعض الانتفاضات التى قامت ضده، سواء من المماليك، أو من الزعماء الشعبيين مثل حجاج الخضرى، ولم يتناغم البسطاء أيضاً مع تجربة الحكم فى عصر الخديو إسماعيل.

الوالى محمد على والخديو إسماعيل هما أكثر شخصيتين حظيتا بالاحتفاء فى كتب التاريخ بعد ثورة يوليو 1952، ويذكر كل من انخرط فى التعليم المدرسى خلال السبعينات كيف كانت هذه الكتب تصف محمد على بأنه بانى نهضة مصر الحديثة، وكيف وصفت «إسماعيل» بالحاكم الوحيد الذى حاول إحياء تجربة النهضة التى بدأها محمد على، وأنه بانى «وسط البلد» ومخطط القاهرة، وبانى الأوبرا وصاحب الحفل الأسطورى لافتتاح قناة السويس، وغير ذلك.

وخلافاً لمحمد على وإسماعيل تجد أن حرافيش الأحياء الفقيرة الذين عاصروا كلاً من الوالى عباس حلمى الأول والخديو سعيد تبنوا موقفاً إيجابياً -إلى حد كبير- من الرجلين.

يكفى أن تراجع مذكرات «أحمد عرابى» وتتأمل كيف كان يتحدث عن الخديو سعيد وحبه للمصريين.

فى المقابل كان موقف كتب التاريخ بعد يوليو 1952 شديد السلبية من الرجلين اللذين اتهما بالانغلاق، وإيقاف العديد من المشروعات التى بدأها محمد على، وعدم التوسع فى التعليم كما فعل الوالى الكبير.

قد يقول قائل إن تلك عادة البسطاء والحرافيش، يحبون الفوضى، ويكرهون النظام، وأن تفكيرهم عشوائى مثل حياتهم. وظنى أن المسألة ليست كذلك.

البسطاء والحرافيش، ممن تعودوا الأكل فى طبق واحد فى عصر محمد على وإسماعيل، لم يروا مردوداً مباشراً للتطويرات التى أحدثها الحاكمان على حياتهم اليومية، بل كان للمشروعات الفردية الطموحة التى تبناها كل منهما نتائج سلبية عديدة على حياتهم، فدفعت إلى تعقيدها وضعضعتها بصورة غير مسبوقة، بسبب ولع الأول بفرض الضرائب، وانغماس الثانى فى الديون، أما العمائر والبنايات التى شيداها والمشروعات التى أقاماها، فقد حسنت بالفعل من صورة الحياة فى بر مصر، لكنها لم تطورهم كبشر، يريدون العيش بحكمتهم وثقافتهم الخاصة.

كل ما فى الأمر أن محمد على وإسماعيل، مثلهما مثل من حذا حذوهما بعد ذلك، كان لديهما رؤية لبناء دولة حديثة على النموذج الغربى، قامت على فكرة الاحتفاء بالمكان وتهميش الإنسان، لم يكن المصريون بالنسبة لمحمد على أو إسماعيل أو غيرهما أكثر من سواعد تعزق الأرض، أو ترفع المبانى، أو تدافع عن البلاد.

المواطن فى نظرهما لم يكن أكثر من «نفر»، لا يفهم ولا يعى، ولا يستوعب الحكمة السامية وراء مخططاتهما، وكل ما هو مطلوب منه أن يسخر قوته الجسدية من أجل مشروعاتهما.

بعبارة أخرى لقد أخذ هؤلاء المطورون قشرة التجربة الغربية (الشكل والبناية والمنظر) وأهملوا روحها (الإنسان).هل تذكر المثل الشعبى الذى يقول: متجيش من ناحية الغرب حاجة تسر القلب.

لقد ظل يتردد على ألسنة أجيال من بعد أجيال على لسان بسطاء المصريين، دون أن يتوقف أحد ويتأمل، ربما توقف البعض ولعن هذه الرؤية الحرفوشية ووصفها بالجهل، دون احترام لتجارب شعوب مثيلة تمسكت بثقافتها وروح الإنسان الذى يعيش بين جنباتها وطورته أولاً، ليطور هو بعد ذلك الحياة من حوله (التجارب الهندية واليابانية والصينية وبعض دول أمريكا اللاتينية نموذجاً).

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القشرة والروح القشرة والروح



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 05:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة
 العرب اليوم - واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة

GMT 23:43 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي
 العرب اليوم - حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة
 العرب اليوم - ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة

GMT 23:30 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

نيللي كريم ترد على شائعات ارتباطها بحارس مرمى شهير
 العرب اليوم - نيللي كريم ترد على شائعات ارتباطها بحارس مرمى شهير

GMT 23:06 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك
 العرب اليوم - راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 03:47 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف تأثير المشي في الوقاية من الزهايمر

GMT 05:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة

GMT 20:17 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب

GMT 04:12 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروع أميركي لرفع اسم أحمد الشرع من قائمة عقوبات مجلس الأمن

GMT 05:01 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الدفاع المصري يطالب الجيش بأعلى درجات الجاهزية القتالية

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة

GMT 07:24 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات دبلوماسية أمام مشروع القوة الدولية في غزة

GMT 04:57 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مدفعية الاحتلال تقصف المياه اللبنانية قبالة الناقورة

GMT 04:49 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6.2 يضرب إندونيسيا

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 05:19 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخصين بضربة أميركية استهدفت قارب مهربين في المحيط الهادئ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab