الأب

الأب

الأب

 العرب اليوم -

الأب

خالد منتصر
بقلم - خالد منتصر

«لقد تساقطت أوراقى».. جملة شرخت القلب ومزقت الروح، قالها أنتونى هوبكنز مغموسة فى الدمع مع نهاية فيلم «الأب»، الفيلم الذى كتبه فرنسى ظل يحلم بأن يؤدى دور البطولة فيه أنتونى هوبكنز، جعل الأب اسمه أنتونى ومولود فى نفس توقيت ميلاد هوبكنز من فرط المحبة لهذا المبدع، حتى قطعة الأوبرا المصاحبة للفيلم هى التى يعشقها هوبكنز، فصار الفيلم بصمة عملاق التمثيل المتفردة، يحمل توقيعه منذ اللحظة الأولى، فيلم لم يتكلف إنتاجياً، ولا يوجد فيه استعراض عضلات مخرج ولا تكنيك مبهر، أو مطاردات مثيرة أو توابل جنس أو... إلخ، هو أقرب إلى المسرحية التى اقتُبس عنها، المشاهد معظمها فى لوكيشن أو اثنين بالكاد، لكنه الأداء السلس الذى من فرط سلاسته لا يمكن أن يقلد، بداية من قرأ فى مرض ألزهايمر يعرف أنه لا توجد غلطة طبية فى الفيلم، بدايات الخرف بالفعل تحمل الشك فى المحيطين، ويميل كبير السن إلى تخبئة الأشياء وغالباً ما ينسى أين خبأها، ودائماً يطرد الخادمات ويتربص بهن على خطأ حتى ولو بسيط.

عبقرية الفيلم هى فى تقديمه لتطورات المرض من خلال عقل الأب نفسه، هذه هى الصعوبة، وهذا هو التحدى، لم يقدم نفسه من خلال مشاعر المحيطين، ولكن من خلال المريض، سكنّا نحن المشاهدين عينىْ مريض الخرف من الداخل، كنا نطل منه لا معه.

يبدأ الفيلم من أقصى نقطة، ابنة أنتونى تريد السفر لباريس مع حبيبها وهى فى صراع، كيف ستترك الأب فى تلك الحالة وقد بدأت عليه الأعراض، طوال أحداث الفيلم تعرف أن الذاكرة تتشوش ولا تفقد بالتدريج، ليس الفقدان مرتباً بطريقة عددية حسابية مقننة، اليوم لا أتذكر زوج ابنتى، ثم غداً ابنتى.. وهكذا، الوضع ليس كذلك، فالذاكرة تتأرجح، وكأن لمبات تنطفئ وتخفت، ومصابيح أخرى تعافر وتخبو ببطء، أحياناً لا يعرف ابنته، تظل طوال الفيلم فى حيرة وهى نفس حيرة الأب، هل ما يحدث حقيقى أم هو من خيالاتى؟، هل أنا فى شقتى أم فى شقة ابنتى أم فى دار المسنين؟، هل هذا هو زوجها أم عشيقها؟، هل الممرضة هى الراعية أم هى الابنة الغائبة؟، وكما يعرض الفيلم بنعومة وبراعة صراع الأب مع ذكرياته المسروقة، يعرض صراع الابنة المعذورة لأنها تتعامل مع مرض مزمن لا علاج له وليس إعاقة عابرة من الممكن التأقلم معها، مريض يحتاج لتعامل وتدريب هى لا تستطيعه، طوال الفيلم نحن نسكن خلايا مخ أنتونى هوبكنز الذى يدق المرض أبوابه بعنف ولصوصية ونذالة، مشاعر غضب وأحياناً خبث ساذج وأحياناً انكسار يصل إلى حد تلقى الصفعات من زوج الابنة وهو يسأله بغلظة: متى تتوقف عن الإزعاج؟، آخر عشر دقائق فى الفيلم تستحق الأوسكار بمفردها، فى دار المسنين، حوار مع الممرضة، يبكى فيها أنتونى هوبكنز بشجن الخريف الذابل الذى فقد كل النور، لا يبكى بصراخ مسرحى فج، ولكنه يلمسنا بكهرباء سحرية تجعلنا جميعاً نشاركه البكاء الناعم الذى يغسل الروح، ينادى على أمه كطفل تائه، أن تعالى خذينى إلى حضنك الدافئ، ويرتمى فى مشهد النهاية فى حضن الممرضة ساكناً هادئاً، يلتف حول نفسه كجنين فى رحم، وينتهى الفيلم على شجر حديقة الدار يحمل أوراقه الخضراء، وكأنه يهمس لنا: «إنها الحياة، لكنها لا بد أن تُعاش وأن تستمر».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأب الأب



النجمات العرب يتألقن بإطلالات أنيقة توحّدت تحت راية الأسود الكلاسيكي

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:29 2025 الجمعة ,16 أيار / مايو

لماذا سعت السعودية لرفع العقوبات؟

GMT 06:22 2025 الخميس ,15 أيار / مايو

أخذ العلم بالتوازن الجديد في المنطقة

GMT 00:51 2025 الأربعاء ,14 أيار / مايو

إجراءات أمنية جديدة في مطار بيروت

GMT 06:09 2025 الخميس ,15 أيار / مايو

السعودية وأميركا... فرص العصر الذهبي

GMT 12:04 2025 الأربعاء ,14 أيار / مايو

زلزال بقوة 6.4 درجة على مقياس ريختر يضرب تونجا

GMT 06:17 2025 الخميس ,15 أيار / مايو

حقاً للتاريخ

GMT 06:19 2025 الخميس ,15 أيار / مايو

نكبات مستمرة والإبادة تتوسع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab