أميركا انتصار ديمقراطي ولكن

أميركا... انتصار ديمقراطي ولكن

أميركا... انتصار ديمقراطي ولكن

 العرب اليوم -

أميركا انتصار ديمقراطي ولكن

بقلم - إميل أمين

انتصرت المسيرة الديمقراطية في الداخل الأميركي، وتم تثبيت فوز الرئيس جوزيف بايدن، وأثبتت المؤسساتية الأميركية حتى الساعة أنها عصية على الانهيار مرة واحدة.

ما يجري في الداخل الأميركي شأن مثير وخطير، ويخطئ من يظن أنه بتواري ترمب مِن على الساحة سوف تنقشع الأزمة الهوياتية في البلاد.

يمكن لقوات الأمن أن تفرق حشود المتظاهرين، وتستطيع قوات الحرس الوطني كبح جماح المخربين، لكن ما لا يمكن منعه من الانتشار هو الأفكار ذات الأجنحة، التي هي معركة أميركا الحقيقية.

على الذين يتساءلون بعمق وبراديكالية إيجابية عن جذور المشهد الدامي، نهار الأربعاء، أن يراجعوا بعض سطور فرانسيس فوكوياما، في عمله الأخير: «الهوية... مطلب الكرامة وسياسات الاستياء»، ليوقن أن اختراق الكونغرس هو مقدمة لمشاهد أكثر هولاً، حكماً ستجد طريقها إلى الداخل الأميركي في العقد المقبل.

تُحدِّثنا الميثولوجيا الإغريقية عن قصة «صندوق باندورا»؛ ذلك الصندوق الذي يحمل كل الشرور البشرية، من جشع وغرور وافتراء وكذب وحسد ووهن ووقاحة، وقد أمر زيوس كبير آلهة الأوليمب ألا يُفتح هذا الصندوق أبداً.

ما فعله ترمب، بحسب فوكوياما، هو أنه فتح الصندوق بالفعل؛ فقد لعب دوراً محورياً في نقل بؤرة سياسات الهوية من اليسار حيث وُلِدت، إلى اليمين حيث تتجذَّر الآن، عبر تحديه للصوابية السياسية.

ما جرى، نهار الأربعاء، في الداخل الأميركي، هو الحادثة. أما الكارثة، فهي هناك في المقاطعات الأميركية الصغيرة، والمدن غير المعولمة، حيث نزعت سياسات الهوية على اليسار إلى شرعنة بعض الهويات، بينما تجاهلت أو أساءت إلى أخرى، مثل الإثنية الأوروبية البيضاء، والتديّن المسيحي، وسكان الأرياف، والإيمان بقيم الأسرة التقليدية، وفئات هوياتية أخرى ذات صلة.

الذين جاءوا من أقصى الغرب الأميركي، من كاليفورنيا، مثل آشلي بابيت، التي خدمت في القوات الجوية الأميركية لمدة خمسة عشر عاماً، لم تكن غوغائية أو ديماغوجية، كما حاولت بعض الأقلام تسطيح المشهد وقت احتدامه، بل كانت من مؤيدي ترمب انطلاقاً من رؤية وقناعة ستجد من يرفع رايتها بعد رحيل ترمب.

في اليوم السابق لاقتحام الكونغرس، كتبت آشلي تقول: «لن يوقفنا شيء... يمكنهم أن يحاولوا ويحاولوا ويحاولوا، لكن العاصفة وصلت، وستحل على العاصمة بعد أقل من 24 ساعة... من ظلام إلى نور».

السطور السابقة ليست ضرباً من ضروب قراءات العرافة البلغارية، بابا فانغا، التي تنبَّأت مسبقاً بأن الرئيس الخامس والأربعين هو نهاية رؤساء أميركا، ولكنها تحليل سيسيولوجي عميق وخطير للذين لديهم عِلم من كتاب.

الذين تجمهروا من حول الكونغرس الأميركي، ومنهم آشلي، يمثلون أبناء الطبقة العاملة المؤيدين لدونالد ترمب، ويشعرون بأن النخب الوطنية قد أهملتهم، بل أبعد من ذلك، خذلتهم وتركتهم.

خذ إليك ما يجري في هوليوود، على سبيل المثال، التي باتت تصنع أفلاماً عن شخصيات نسوية أو من أصول أفريقية أو مثلية قوية، لكنها لا تصنع إلا لماماً أفلاماً تتمحور حول أناس مثلهم.

القراءات الإحصائية الأولية بشأن الذين شاركوا في مسيرة واشنطن تشير إلى أن نسبة غالبة منهم من الريف الأميركي، وهؤلاء قطعاً سيكونون نار الحرب الثقافية الأهلية الأميركية وحطبها في الوقت ذاته... لماذا؟

يشكّل أهل الريف، لا في أميركا فقط، بل في دول أوروبية، مثل بريطانيا وبولندا والمجر، العمود الفقري للحركات الشعبوية، أولئك الذين يوقنون بأن قِيَمهم التقليدية تواجه تهديداً خطيراً من النخب الكوزموبوليتانية المرتكزة في المدن.

ترمب رجل لا دالّة له على العمل السياسي أو الفكري، لكن ما نجم عن فتح صندوق القلاقل والشرور، أشعَر هؤلاء بأنهم ضحايا ثقافة علمانية تحاذر انتقاد الإسلام أو اليهودية، لكنها تعتبر مسيحيتهم علامة تزمّت وتعصب، ويشعرون بأن وسائل الإعلام النخبوية، بحسب صاحب «نهاية التاريخ»، تعرضهم للخطر بصوابيتها السياسية.

هنا يمكن للذين يتساءلون عن السر الكامن وراء المد الديني اليميني المتصاعد في الداخل الأميركي أن يجدوا جواباً شافياً وافياً لاعتراض الملايين على فوز بايدن، ويشعرون بأن رجلهم قد تعرض للخديعة، وأن الدولة الأميركية العلمانية العميقة هي التي قادت عملية التزوير ضده، مهما كان من شأن هذا الاتهام، ويؤمنون بأنها فعلت ذلك بالضد منهم، بأكثر من كونها كانت تقصد ترمب بذاته وشخصه.

الكارثة الأميركية التي سيصحو عليها الرئيس بايدن، من سوء طالعه، موصولة بالهويات اليمينية المرتكنة إلى العرق، والجماعات اليسارية القائمة على الآيديولوجيا، وقد حاذر ترمب من التلفظ بآراء عنصرية صريحة، لكنه تقبل بسرور دعم أفراد وجماعات تعتنق العنصرية.

حين كان ترمب مرشحاً رئاسياً، بدا مراوغاً جداً في انتقاد ديفيد ديوك، الزعيم السابق لجماعة «كوكلوكس كلان»، وأنحى باللائمة على الطرفين، في أحداث العنف بعد مظاهرة «وحدوا اليمين»، في مدينة تشارلوتزفيل بولاية فيرجينيا، في أغسطس (آب) 2017.

أسس ترمب لشعبوية ترمبية حكماً سوف تتنامى بعد غيابه عن الساحة السياسية، غير أنه من الثابت يقيناً أن هناك مَن سيحمل الراية الآيديولوجية الممزوجة بالدوغمائية المطلقة، ويبدأ من جديد.

ولعل حديث الرايات يلفت انتباهنا إلى ما هو أخطر بكثير جداً من القول إن الذين اقتحموا الكونغرس كانوا من الرعاع والدهماء، أو أقنان الأرض؛ فقد شاهد العالم مباشرة في ساحة الكونغرس ما لم تشهده أي مظاهرة أميركية من قبل: أعلام هوياتية مختلفة ترتفع ويُلوّح بها، وإسقاط واضح ومتعمَّد للعلم الأميركي، الذي هو فخار الأميركيين ورمز سطوتهم وقوتهم حول العالم.

أي انتصار للديمقراطية في عهد بايدن؟ إلى قراءة مقبلة.

 

arabstoday

GMT 18:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 18:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 18:49 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 18:45 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 20:14 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا انتصار ديمقراطي ولكن أميركا انتصار ديمقراطي ولكن



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي

GMT 08:22 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس

GMT 07:26 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق رسمي من نيجيريا على الضربة الأميركية

GMT 09:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يشارك جمهوره كواليس مسلسل «علي كلاي»

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 12:37 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

3 قتلى باشتباكات مع الأمن السوري في ريف اللاذقية

GMT 17:00 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هيئة البث تكشف وساطة روسية سرية بين إسرائيل وسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab