“يا ولاد الكلب”

“يا ولاد الكلب”

“يا ولاد الكلب”

 العرب اليوم -

“يا ولاد الكلب”

بقلم : نديم قطيش

ليس بسيطاً أن تمرّ بلا عاصفة ردود تذكر، الشتائم التي وجّهها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى حركة حماس ومفاوضيها ومن يمسكون فيها بملفّ الرهائن الإسرائيليين. فاض به الكأس، من التلكّؤ والتأجيل والمماطلة، وما يستدعيه كلّ ذلك من ألم وموت ينزل بالفلسطينيّين. وجد في الشتيمة المباشرة “يا ولاد الكلب” ملاذاً لتصريف الغضب والاستياء، الذي يتجاوز شخصه، إلى حال عموم الفلسطينيين التوّاقين لوقف الكابوس الذي بدأ في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023.

ليست سوابق الرئيس عباس في استخدام مفردات مماثلة في خطبه، ما يفسّر مرورها اليوم بحقّ حماس، ولا لأنّ موقع الرجل يزداد هامشيّةً في المشهد الوطني الفلسطيني، وهو ما يستدعي بنظر حماس ربّما، تهميش خطابه أيضاً.

فلو لم يخرج أهل غزّة في تظاهرات ضدّ حماس، مطالبين بمسار فوريّ وواضح لوقف الحرب، ولو لم يكن سقف طموحات الحركة اليوم أن تعيد عقارب الساعة إلى يوم 6 تشرين الأوّل 2023، بعد كلّ ما حلّ بغزّة وأهلها، لوجب عدم الغوص كثيراً في استقراء المعاني السياسية لقدرة مسؤول فلسطيني على قول ما قاله بحقّ “المقاومة”، من دون أن يثير ردود فعل كالتي يمكن توقّعها حيال خطاب مماثل.
ليس بسيطاً أن تمرّ بلا عاصفة ردود تذكر، الشتائم التي وجّهها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى حركة حماس ومفاوضيها ومن يمسكون فيها بملفّ الرهائن الإسرائيليين

ظاهرة خطيرة

بيد أنّ ما حصل، يقدّم واحداً من أكثر الأدلّة علنيةً على إفلاس “حماس” وخطابها، وينطوي على تحميلها ضمناً مسؤوليّة الكارثة التي حلّت بأهل القطاع. وليس من باب الصدفة أن يتزامن هذا الافتضاح العلنيّ لإفلاس حماس، مع كشف الأردن عن مؤامرة أمنيّة كان يخطّط لها الإخوان بالتعاون مع “حماس” ضدّ العرش. إذ بدل أن ينكبّ من فجّروا غزّة وجلسوا فوق رمادها، على المراجعة والنقد، وتصوّر آليّات أخرى لضمان أمن ومستقبل الشعب الفلسطيني، تراهم يهربون باتّجاه محاولة تفجير الأردن، وتصدير فشلهم نحو الوطن الثاني للفلسطينيين، من دون أيّ اعتبار سياسي أو استراتيجي أو حتّى أخلاقي، يخصّ أمان واستقرار الفلسطينيين قبل الأردنيين!

سلوك حماس وخطابها المتمحور حول مضاعفة التضحيات، وفتح الساحات، والإكثار من الدم بوصفه طريقاً للتحرير، كما ورد في رسائل يحيى السنوار، إنّما هو ظاهرة فكرية ونفسيّة خطيرة تنهض على السرديّات البسيطة والسطحية، معطوفةً على إغفال تامّ للدقّة في استقراء موازين القوّة، والمعطيات الواقعية لتاريخ وحاضر القضيّة الفلسطينية.

لم يكن السنوار بحاجة إلى تقديم أدلّة على أيّ خبرة يمتلكها بخصوص إدارة مصالح الفلسطينيين، ما دامت السرديّات المبسّطة الملهبة للمشاعر والقابلة للهضم الجماهيري، جاهزة لأسطرة “المقاومة الأصيلة”، بوصفها الطريق الأكيد والوحيد إلى المستقبل، بصرف النظر عن صحّتها التاريخية أو تداعياتها الأخلاقية. بل إنّ الخبرة والتعمّق في فهم الظواهر والمصالح وتعقيداتها، غالباً ما تُهمَل بوصفها عوائق انهزامية واستسلامية يجب أن لا يُسمح لها أن تفتّ من عضد المقاومين والقبضات والبنادق.

هكذا يستوي النضال المشدود إلى شعارات التحدّي والنضال والتمرّد، والمنزوع الصلة بالمسؤولية الأخلاقية للمناضلين، أداةً أكيدةً لتقويض القضايا التي يُزعَم الدفاع عنها، ويجعل من خطاب المقاومة ادّعاءات فارغة، يتمّ تداولها من قبل أناس يتمتّعون بأعلى معايير الجهل والثقة في آن.
لم يكن السنوار بحاجة إلى تقديم أدلّة على أيّ خبرة يمتلكها بخصوص إدارة مصالح الفلسطينيين، ما دامت السرديّات المبسّطة الملهبة للمشاعر والقابلة للهضم الجماهيري، جاهزة لأسطرة “المقاومة الأصيلة”

إعادة تعريف القيم

مع ذلك، يظلّ تفكيك خطاب حماس، وبقيّة فصائل المقاومة، أكان تفكيكاً نظريّاً ومعمّقاً، أو تعريةً فظّةً له بتوظيف الشتيمة والاعتراض العامّ، قاصراً عن معالجة الأخطار المؤدّي إليها هذا الخطاب، مثل قدرته على إرباك الرأي العامّ وتعميق الجهل وتبديد المساحات الضروريّة لحوار حقيقي في مستقبل المسألة الفلسطينية.

بل إنّ الاستماتة لإضفاء شرعية ظاهرية على الخطاب الشعبويّ المليء بالمغالطات والتبسيط والاختزال، وتحويل استرخاص الإنسان الفلسطيني، تحت عنوانَي التضحية والنضال، إلى قيمة اجتماعية مقبولة، يُسهمان في تعزيز وحشيّة خطاب اليمين الديني الإسرائيلي، وتبرير سياساته العدوانيّة، ويوسّع دائرة التطبيع مع فهم سطحيّ ومشوّه للتاريخ والنضال الفلسطينيَّين.

ما تقوله التظاهرات التي قادها فلسطينيون شجعان ضدّ حماس في غزة، وتمرير الرأي العامّ الفلسطيني لشتائم الرئيس عباس للحركة، بل والدفاع عنها، يعطيان انطباعاً بأنّ سحر خطاب “حماس”، القائم على الإشباع العاطفي السريع، نضب في الوجدان الفلسطيني، وأنّ التفسيرات المقاوماتيّة السريعة والواضحة والحاسمة للقضايا المعقّدة التي يواجهها السؤال الفلسطيني فقدت صلاحيّتها. فلا يواجه الفلسطيني اليوم خطاباً مضلِّلاً فقط، بل يحارب عدميّة عميقة، قادته إليها حركة حماس بأعلى درجات التخلّي عن المسؤولية التاريخية والأخلاقية التي ينبغي أن يتحلّى بها من يتصدّرون تمثيل مصالح الناس.

والحال هذه، تتطلّب الصحّة الفكرية والسياسية والنفسية للمنطقة، قبل الصحّة السياسية والأمنيّة، تمييزاً شجاعاً بين الحقائق الصعبة، التاريخية والراهنة، وبين السرديّات المغرية والفارغة لخطاب المقاومة، على النحو الذي لا يفتح الباب فقط أمام تصويب السياسات، بل يعيد تعريف القيم نفسها التي بها تُربح القضايا أو تُهزم.

arabstoday

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

يتيمة العصر

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك... المُطلق

GMT 09:52 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نحن وتاريخنا...

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ممرٌ ترابي في اتجاهين

GMT 09:47 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب ــ آسيا... بين المواجهة والتفاوض

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

«حماس» تفاوض على استبعادها

GMT 09:38 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

من هم الملونون بحق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

“يا ولاد الكلب” “يا ولاد الكلب”



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة
 العرب اليوم - عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 06:50 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق مؤقت لمطار أليكانتي في إسبانيا بعد رصد طائرة مسيرة

GMT 05:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مطار كراسنودار يطلق رحلات مباشرة إلى مصر

GMT 02:15 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يراوغ مجددًا بشأن مشاركته مع الأرجنتين في كأس العالم 2026

GMT 07:12 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يتحدث عن "أدق وصف" للوضع في غزة

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 06:04 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الفرنسي يلاحق المتنمرين ضد زوجة ماكرون

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

مقتل شقيقين في غارة إسرائيلية جنوبي لبنان

GMT 01:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال بقوة 6.1 يضرب ولاية باليكسير شمال غربي تركيا

GMT 05:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تحذير عاجل لمستخدمي Gmail بعد سرقة 183 مليون كلمة مرور
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab