إعلام الصورة النمطية

إعلام الصورة النمطية

إعلام الصورة النمطية

 العرب اليوم -

إعلام الصورة النمطية

بقلم : حسين شبكشي

المتابع لإصدارات أفلام ومسلسلات هوليوود لا بد أن يلاحظ أن هناك تكريساً واضحاً لنحت صورة نمطية عن العرب في أذهان المشاهدين في المجتمعات الغربية. كانت الصورة النمطية التقليدية الأولى التي تواترت في أفلام فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الميلادي الماضي تتناول العربَ كشخصيات جاهلة ومتخلفة وسطحية غير متمدنة، تملك ثراءً هائلاً ولا يهمها سوى التمتع بشهوات وملذات الحياة. وفي فترة الستينات الميلادية، وخصوصاً بعد حرب 1967، التي تكبد فيها العرب خسائرَ فادحة، بدأت الأفلام الهوليوودية تركز على تكريس صورة العربي كمخلوقٍ دموي وهمجي وبدائي وإرهابي وغدارٍ ولا يؤتمن. ولعلَّ الفيلمَ الأبرز في هذا السياق كان «الخروج»، الذي كان من تأليف الروائي الصهيوني الأشد تطرفاً ليون أوريس، ومن بطولة النجم بول نيومان، الذي حكى هجرة اليهود من أوروبا «وعودتهم» إلى أرض الميعاد التوراتية، واستخدم اسم الفيلم ليتوافق مع سفر الخروج في العهد القديم، الذي يحكي قصة خروج اليهود من مصر، ويظهر الفيلم العربَ بشكل همجي ووحشي، ويشكك في حبهم لأرضهم وعدم ولائهم لها. ولعلَّ أهمَّ من تناول صورة العربي في الإعلام الأميركي كان البروفيسور ذو الأصول اللبنانية جاك شاهين، الذي شرح هذا التناول في كتابين مهمين: الأول «الفيلم العربي» عن صورة العرب في أفلام هوليوود، والثاني «التلفزيون العربي»، عن صورة العربي في مسلسلات التلفزيون. وكنت قد قابلته في مؤتمر بالقاهرة عام 1987، وتناولت معه هذا الموضوع، وقال لي وقتها إن هناك منهجية واضحة، ولا يمكن أن تكون وليدة الصدفة لتكريس الصورة النمطية السلبية بحق العرب.

ولم تقف محاولات تكريس صورة العربي السلبية في شاشات السينما والتلفزة، ولكن ظهرت أيضاً بعض الكتب بعناوين مثيرة للجدل، مثل «العقل العربي»، تحاول أن تروج أن عقلية العربي مختلفة، وأن لها «قابلية فطرية وطبيعية» للشر والعنف، وهي بذلك الطرح تقوم تماماً بما قامت به آلة الترويج والدعاية النازية في ألمانيا، وقت أن كانت تروّج بمنشورات سلبية عدائية لا سامية ضد اليهود، بعنوان «العقل اليهودي» لبناء سردية عدائية ضدهم استعداداً للقضاء عليهم في أوروبا.

وفي حقبة السبعينات والثمانينات والتسعينات حدثت طفرةٌ في كم الأفلام التي تحمل في طياتها كراهيةً صريحة وعداءً صارخاً للشخصية العربية، ولعلَّ أبرزَها وأشهرَها كان فيلم «دلتا فورس»، الذي أنتجه هارفي واينستين الذي أدخل السجن لاحقاً إثر قضايا أخلاقية فاضحة. لكن هناك شيئاً ما يتغير، شيئاً مهماً جداً أخذ في التكون. جيلٌ جديدٌ ينمو ويكبرُ ويترعرع، وهو يرى في الولايات المتحدة، تحديداً والغرب عموماً... نماذج ناجحة في المجتمع من المهاجرين العرب، نماذجُ متألقة في مجالات الطبِ والهندسةِ والقانون والتعليم والآدابِ والفنون والرياضةِ والسياسةِ والاقتصاد والمال، نماذجُ مهمة ورائعة أثبتت نجاحاتِها عن جدارةٍ واستحقاق.

وبدأت فزاعة «العربي الشرير»، التي تم ترسيخُها بتركيز شديد وبمجهود حثيث ونهج دقيق، عبر فترة ليست بسيطة من الزمن، يصيبها الشرخ المستمر والتآكل المتواصل. ثم جاءت تقنية الإنترنت ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، لتكونَ وسيلة مضادة لمعرفة حقائق ونماذج وأمثلة تضرب منهجية ترسيخ الصورة النمطية التقليدية السلبية، التي تم تأسيسُها عن العربي الشرير، وتضربها في مقتل. وبدأ الناس في وسائل التواصل الاجتماعي يتناقلون الصورَ والأخبار والتعليقات التي تبيَّن وجود «شرير آخر» دموي، إجرامي سفاح، كان يروج له دائماً بأنه الطرف المظلوم الأضعف المغلوب على أمره، الواجب نصرته والضروري تأييده.

عندما يكون الحديثُ عن ترسانات الدول وقوتِها العسكرية، وقدراتها على الحسم والتأثير، لا تذكر كثيراً القدرات الإعلامية وأدوات التأثير على العقول، والسيطرة على الرأي العام، وهي التي وصفها الأكاديمي الأميركي الشهير ناعوم تشومسكي «أنها أهم وأخطر ما لدى الولايات المتحدة، وهي في خطورتها وتأثيرها تتفوق على الأسلحة النووية».

العرب خسروا بشكل فاضح وفادح معركة الرأي العام في الغرب منذ عقود من الزمن، وهي هزيمة أكبر من النكبة والنكسة مجتمعتين، ويبقى السؤال قائماً ومهماً عن مدى الاستفادة ممَّا حصل، وهل من الممكن تفاديه مجدداً إذا ما حصل مرة أخرى في المستقبل؟

arabstoday

GMT 12:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

صدقوني إنها «الكاريزما»!

GMT 11:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

GMT 11:50 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

النار في ثياب ترامب

GMT 11:40 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

.. وفاز ممداني

GMT 11:07 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

التاريخ والجغرافيا والمحتوى

GMT 10:59 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مرة أخرى.. قوة دولية فى غزة !

GMT 10:56 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حلم المساواة

GMT 10:24 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عرفان وتقدير

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعلام الصورة النمطية إعلام الصورة النمطية



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
 العرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 16:15 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
 العرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 10:05 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير
 العرب اليوم - ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير

GMT 10:58 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مرقص حنا باشا!

GMT 10:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

سجن إلهام الفضالة بسبب تسجيل صوتي

GMT 21:03 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمير هاري يبعث رسالة خاصة لأبناء بلده من كاليفورنيا

GMT 04:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير إسرائيلي يدعو لمناقشة تعاظم قوة الجيش المصري

GMT 22:11 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 05:00 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تعلن تسلمها رفات رهينة ونقله إلى معهد الطب الشرعي

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab