حاتم علي نهاية مشوار ثري ومثير

حاتم علي... نهاية مشوار ثري ومثير

حاتم علي... نهاية مشوار ثري ومثير

 العرب اليوم -

حاتم علي نهاية مشوار ثري ومثير

بقلم - حسين شبكشي

أصابني خبر وفاة المخرج السوري الكبير حاتم علي بالحزن الشديد، ليس فقط لكوني عرفت الرجل عن قرب، وكنت أعتبره صديقاً لي ولكني كنت أيضاً أحترم جداً عقلية الرجل الإبداعية، ومخزونه الثقافي الكبير وعمله الدؤوب والمهني والمحترف في مناخ «بوليسي» لا يرحم. ثاني مبدع في عالم الإخراج يصيبني خبر رحيله بهذا الشعور المؤلم، وإن اختلفت الأسباب تماماً. فالخبر الأول كان رحيل الصديق المخرج الحلبي العالمي الكبير مصطفى العقاد، الذي سقط ضحية وحشية عمل إرهابي من العقلية والفكر نفسهما اللذين «حرما» أعماله، وهي الأعمال نفسها التي لا يزال يستشهد بها في تقديم الصورة الصادقة للدين وسماحته. الفاجعة في خبر رحيل مصطفى العقاد، كانت هي العملية الوحشية التي تسببت في اغتياله والطريقة المأساوية التي رحل بها عن عالمنا، رحمه الله تعالى.
أما حاتم علي فكان خبر الرحيل المفاجئ دون مقدمات، وهو الذي لم يبلغ الستين من العمر بعد. مشوار حاتم علي الثري والمثير هو مرآة لسوريا نفسها، فابن الجولان انتقل إلى العاصمة دمشق ودرس الفن فيها بشكل مكثف أكاديمياً، وبدأ مشواره مع التمثيل، وكانت له محطات مهمة ومتنوعة لافتة وناجحة، ولكن الرجل عرف بشكل لا يدع مجالاً لأي شك في أن مكانه الأول وعشقه الأكبر يقع خلف الكاميرا، وبدأ مشوار تألقه الهائل مع الإخراج التلفزيوني. تعددت أعماله الإبداعية ما بين الاجتماعي الناقد والتاريخي الفلسفي. تطرق لمواضيع شائكة وملغومة بشكل غير مسبوق. قدم «التغريبة الفلسطينية» كأهم عمل درامي تلفزيوني يوثق بشكل إبداعي جميل محنة النكبة التي أصابت فلسطين وشعبها. وفند المرحلة الأندلسية بشكل مذهل وأخاذ في سلسلة درامية ستبقى خالدة، بالإضافة لأعمال أخرى كثيرة وكبيرة جميعها بلا استثناء احتلت مكانتها الخالدة في وجدان الجمهور العربي العريض.
أول مرة التقيت بالراحل الكبير حاتم علي كانت في ندوة دولية أقيمت بالرياض، وكان وقتها سعيداً للغاية بالنجاح الكبير لمسلسل «عصي الدمع» الذي قام بإخراجه وكان من تأليف زوجته المبدعة دلع الرحبي، والمسلسل تطرق إلى قضايا حقوقية اجتماعية مثيرة للجدل بشكل جريء ومحترم، جعل الناس تتابعه بشغف وتشيد به بإعجاب شديد للغاية. كنت من المتحدثين معه في الندوة ذاتها، وكانت فرصة للعديد من الأحاديث الجانبية التي أظهرت فكر الرجل وشخصيته، وتواعدنا أن نستمر على تواصل. وقد كان.
التقيته بعد فترة وجيزة في دمشق. تناولنا العشاء أنا وحاتم علي وزوجته السيدة دلع الرحبي في مطعم بأعلى جبل قاسيون في العاصمة دمشق، وتناولنا شتى المواضيع الفلسفية والفنية والاجتماعية. كانت ليلة غنية بالأفكار والضحكات. اكتشفت ليلتها حاتم علي الفنان القلق دوماً وغير الراضي عن أعماله والساعي للأفضل باستمرار. كان يربط النجاح بمساحة الحرية المتاحة للأعمال المقدمة، وعندما وجد المناخ في بلاده مقيداً وخانقاً ومميتاً آثر المغادرة بكرامة وهدوء، ولكن كان في مغادرته أكبر رسالة.
حاتم علي الذي دمعت الأعين على خبر رحيله «جمع» الفرقاء من بني وطنه الذين أجمعوا واجتمعوا على رثائه والاعتراف بمكانته المميزة بشكل لم يعد من الممكن تخيله منذ سنوات ليست بالقليلة. رحيل حاتم علي المؤلم الذي وصفته الفنانة السورية الكبيرة سلاف معماري بأنه «بكّر كتير» هو خسارة للمناخ الإبداعي والإنتاج الدرامي النوعي المميز. حقبة الدراما السورية التي أفرزت نهجاً إنتاجياً جديداً ومختلفاً أخرجت العديد من الأسماء اللامعة في الإنتاج والتمثيل والتأليف والإخراج، ولكن كل مؤرخي هذه الحقبة يشهدون أن حاتم علي هو العراب الإخراجي والإبداعي الحقيقي لهذه الحقبة وبامتياز شديد جداً.
سنة الحياة أن نودع الأحباب، فهذه أقدارنا ولكن هذا لا يخفف الألم ولا يطيب الوجع. وداعاً حاتم علي وعزاؤنا الأكبر أن خبر وفاتك المؤلم أوجد حالة سلام جميلة بين أطراف مختلفة... لحظة سلام تشبه روحك الجميلة. ارقد بسلام يا صديقي ورحمك الله رحمة واسعة وخالص العزاء لأسرتك الصغيرة وأحبابك في كل مكان حول العالم.

 

arabstoday

GMT 12:32 2025 الأحد ,08 حزيران / يونيو

أي رسالة إسرائيلية للعهد بعد غارات الضاحية؟

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حاتم علي نهاية مشوار ثري ومثير حاتم علي نهاية مشوار ثري ومثير



ياسمين صبري تختار الفستان الأسود الصيفي بأسلوب أنثوي أنيق يبرز أناقتها وجاذبيتها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:19 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

قسد تؤكد استحالة تسليم سلاحها في الوقت الراهن
 العرب اليوم - قسد تؤكد استحالة تسليم سلاحها في الوقت الراهن

GMT 18:42 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

نانسي عجرم تدمج اللمسة المغربية في أحدث أعمالها
 العرب اليوم - نانسي عجرم تدمج اللمسة المغربية في أحدث أعمالها

GMT 04:34 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

فى مواجهة «حسم»!

GMT 05:06 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

ضاع في الإسكندرية

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

من بولاق إلى أنقرة

GMT 13:53 2025 الإثنين ,21 تموز / يوليو

السويداء.. والعزف على وتر الطائفية (٢-٢)

GMT 05:28 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

وفاة ممثل أميركي عن عمر 54 عامًا غرقًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab