بين إثيوبيا ورواندا دروس وعبر

بين إثيوبيا ورواندا: دروس وعبر!

بين إثيوبيا ورواندا: دروس وعبر!

 العرب اليوم -

بين إثيوبيا ورواندا دروس وعبر

بقلم - حسين شبكشي

المراقب والمتابع لأخبار تطورات الأحداث المتسارعة في إثيوبيا والصراعات الدموية التالية بين القبائل والعشائر المختلفة فيها؛ لا بد أن يتوقف ملياً ويسترجع بالذاكرة غير البعيدة الأحداث الدموية المرعبة التي حلّت في جمهورية رواندا في أفريقيا أيضاً (وهي دولة جارة لإثيوبيا وتربطهما حدود مشتركة)؛ وذلك بسبب الصراعات الكبرى والاقتتال الدموي بين قبائل أقليات التوتسي والهوتو والتوا، والتي تجاوز عدد القتلى في هذه الأحداث المليون والمائتي ألف شخص في فترة لم تتجاوز الأربعة أشهر فقط، وكان سبب اندلاع الشرارة هو التعصب القبلي والعنصرية بحق الآخرين.
لقد أصبحت رواندا مضرباً للأمثال فيما يتعلق بالإبادات الدموية الجماعية الناتجة بسبب الصراعات والكراهيات العنصرية القبلية والعشائرية البينية. فالمشاهد البشعة التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة وقتها والتي تظهر أنماطاً من الوحشية والعنف جعلت العالم في ذعر مهول ودهشة كبيرة. ولكن ماذا حل في رواندا اليوم؟ تحولت هذه الدولة الصغيرة في قلب القارة السمراء إلى قصة تحول ونجاح مبهر، وأصبحت توصف حين الحديث عنها بالمعجزة الاقتصادية في رواندا. بدأت رواندا في تطبيق إجراءات صارمة فيما يخص التمييز والتفرقة وأقامت منظومة قانونية صارمة وفعالة ومؤثرة تمنع التمييز بين المواطنين بأشكاله كافة، وتساندها في ذلك مجموعة مهمة من التشريعات والأنظمة والقوانين الداعمة للحوكمة الرشيدة والمتضمنة منهجية للإفصاح والمكاشفة والمحاسبة، وانعكس ذلك الأمر بطبيعة الحال على الوضع الاقتصادي بصورة عامة، فتدفقت الاستثمارات الدولية التي تبحث عن الاستقرار وتهرب من غموض عدم الوضوح، وانخفضت البطالة وانشغل الناس بالعمل والإنتاج بدلاً من التفاخر والصراعات القبلية البينية. وبدأ الإبداع والأفكار تتوالد في رواندا وأقيمت مصانع لتجميع أجهزة الحاسب الآلي المحمول، وأخرى لتصنيع الأحذية الرياضية حتى كان الخبر الأهم والأكثر فاعلية وتأثيراً هو إعلان عملاق صناعة السيارات الألمانية شركة «فولكس فاغن» إقامة مصنع تجميع لإحدى سياراتها في رواندا، ليخدم سوق القارة الأفريقية بأكملها، وبالتالي كان ذلك الأمر بمثابة الإعلان الواضح والصريح عن انتصار رواندا ونجاح تحولها الكامل وانتقالها بنسبة مائة وثمانين درجة من مرحلة السعار والاقتتال الدموي القبلي إلى دولة المواطنة والاستقرار، ودخولها في فلك ودوائر الاستثمار المؤثرة في المعسكر الغربي.
أما إثيوبيا فلم تقم بما قامت به رواندا؛ إذ ربطت مصيرها التنموي في يد الصين وحدها، والصين لا تملك إرثاً حقوقياً وتشريعياً وقانونياً لتنقله كتجربة تستحق الاحترام إلى إثيوبيا، ولكن كان تركيزها حصرياً في إيجاد منافذ وأسواق لترويج وبيع سلعها وخدماتها ومنتجاتها، وأغراها حجم السوق الإثيوبية الكبيرة الذي يتجاوز تعدادها مائة وخمسة عشر مليوناً، فاهتمت بها بتركيز شديد ودقيق، وأصبحت السوق الإثيوبية تعتمد بشكل رئيسي على السلع والبضائع الصينية، وجاء ذلك على حساب استحداث منظومة من القوانين والأنظمة والتشريعات لتحقيق المواطنة السوية في بلاد معبأة بالتجاذبات القبلية المختلفة. وهو تحديداً السبب الرئيسي الذي جعل من غياب منظومة المواطنة السوية في إثيوبيا أشبه بكعب أخيل أو المنطقة الرخوة الضعيفة والهشة التي قد تتسبب في سقوط الحكومة الحالية أو إلى تقسيم البلاد إلى دول صغيرة متفرقة ومتنافرة، وذلك بحسب المناطق القبلية ومراكز الثقل فيها.
لم تتعظ إثيوبيا أو تستفيد من تجربة جارتها رواندا، وقد يكون ذلك من باب الاستهتار المتوقع من قبل الجارة الكبيرة بحق جارتها الصغيرة؛ ولذلك تبقى إثيوبيا هي الخاسر الأكبر من عدم الاستفادة من التحول العظيم الذي حصل في الجارة الصغيرة رواندا، وخصوصاً أن عناصر المشكلة الأساسية متشابهة للغاية وبشكل لا يمكن إغفاله. عانت القارة العجوز أوروبا عبر تاريخها القديم من الصراعات الدموية العنيفة بين القبائل المختلفة التي كانت تعيش فيها (نعم، كانت هناك قبائل متناحرة في أوروبا يوماً ما)، ولكنها أقرّت فكرة ومنظومة الدولة المدنية، التي تحكم الجميع، وكتبت بذلك نهاية للحروب الأهلية، وباتت الكلمة الأهم لدولة القانون. واليوم، إثيوبيا التي انبهر العالم بتقدمها الاقتصادي نتاج التعاون الوثيق مع الصين، وفوز رئيس وزرائها بجائزة نوبل للسلام، بات كل ذلك في مهب الريح؛ لأن منظومة الدولة المدنية والمواطنة السوية لم تتحقق، وليتضح لنا أن هذا كان يجب أن يكون الإنجاز الأول والأهم.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين إثيوبيا ورواندا دروس وعبر بين إثيوبيا ورواندا دروس وعبر



نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
 العرب اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 22:30 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

رانيا يوسف مطربة لأول مرة في عمل غنائي جديد

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سنة ثالثة شعر

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

مدخل إلى التثوير!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أزرار التحكم... والسيطرة!

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

فيلبي وحفيدته سارة... وإثارة الشجون

GMT 14:01 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«رؤية 2030»: قارب النجاة في عالم مضطرب

GMT 10:13 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فيضانات كينيا تتسبب في انهيار سد ومقتل العشرات

GMT 13:58 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

نادين لبكي بإطلالات أنيقة وراقية باللون الأسود

GMT 18:07 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

فرص للسلام في الشرق الأوسط!

GMT 18:04 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

«إني متوفيك ورافعك»

GMT 17:57 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

‎الممر البحرى الأمريكى و٧ مخاوف مشروعة

GMT 13:53 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 17:56 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

تفوق الأندية المصرية إفريقيًا

GMT 18:02 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

نجوم الفضائح والتغييب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab