ومضة لم يرَها الغافلون

ومضة لم يرَها الغافلون

ومضة لم يرَها الغافلون

 العرب اليوم -

ومضة لم يرَها الغافلون

بقلم : عبد الرحمن شلقم

 

القرن التاسع عشر، كان حلقة الزمن التي غيرت مسار الإنسانية. بدأ العلم يتجسد في حياة بعض الشعوب. انطلقت الصناعة واندفعت التقنية تصنع قوة أوروبا الجديدة، وتسابقت دولها على استعمار البلدان الفقيرة الضعيفة. أغلب البلدان العربية والإسلامية، كانت تحت هيمنة الدولة العثمانية. وفي حين كانت القارة الأوروبية، تشهد نهضة شاملة تتسع وتتقدم، كان المسلمون يعيشون في مستنقع هيمن فيه اجترار ما خلفه السابقون على العقول. غاب الفكر المتجدد والفلسفة والاختراعات والاكتشافات. منظومة التعليم لم تتحرك مع خطوات التطور ودفق العصر الجديد. ضرب الوهن كل شيء في الإمبراطورية العثمانية. تهالك الاقتصاد والقدرات الدفاعية، ورفعت الفتن رؤوسها على اتساع مساحة الدولة العجوز، واستفحلت النزعات القومية والطائفية والجهوية في غياب قاعدة المواطنة والمساواة. الغرب الأوروبي شخَّص حالة الإمبراطورية العثمانية، وأطلق عليها وصف الرجل المريض. شغل ذلك الواقع الذي ينذر بالخطر المحدق مفكرين إسلاميين، وقام كثيرون منهم بدق النواقيس الداعية للنهوض. الغالبية منهم، بل نستطيع أن نقول جميعهم، غرفوا من مستنقع الموروث القديم، في حين لمع في دنيا الغرب الجديد، المئات من نجوم الفلسفة، والعلم والبحث في مختلف المجالات، وازدهرت الصناعة في كل البلدان الأوروبية. الإدارة السياسية وأسلوب الحكم والتداول السلمي على السلطة، وحرية الفرد وحقوق المرأة، تنافس الفلاسفة والمفكرون على تكريسها، وانهارت هيمنة الكنيسة على المجتمعات.

مفكر سياسي عاش في أحشاء السياسة والإدارة، وعرف التحولات الكبيرة التي تشهدها أوروبا، وما تعانيه الدولة العثمانية من وهن وجمود. إنه خير الدين التونسي الذي تولى الكثير من الوظائف المهمة في تونس، وفي الآستانة عاصمة الإمبراطورية العثمانية. كان خير الدين التونسي ابن مرحلة فاصلة في تاريخ المسلمين، وتحديداً في أواخر عقود الإمبراطورية العثمانية. بعد مؤتمر برلين فرضت بريطانيا حمايتها على مصر، وفرنسا حمايتها على تونس، وكلا البلدين كان تابعاً للإمبراطورية العثمانية. في كتاب «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك»، قامت ثلة من الدارسين بعرض أفكار خير الدين، وإنجازاته الإصلاحية في تونس. لخَّص الأستاذ أبو ضياف رؤية خير الدين الإصلاحية فيما يلي: «نحن نعتقد أن منطلق التفكير الإصلاحي عند خير الدين تونسي بحت، وهو وضع البلاد التونسية في منتصف القرن التاسع عشر، إلا أنه يتنزل في وضع عثماني باعتبار أن تونس جزء لا يتجزأ من الخلافة العثمانية، ولقد ركز إصلاحه على قضية جوهرية، وهي ضرورة الاقتباس من الغرب المتحضر لا المستعمر، وتبرير ذلك شرعياً: فلئن بات عنده أن من الثابت أن تحدي الغرب الاقتصادي، أصبح أمراً تفاقم خطره، فإنه ما زال يعتقد أن الإصلاح يأتي من الداخل لا من الخارج، وإحياء القيم السرمدية كالشورى والحرية والعدل، ونظام الحكم الذي حاد عن الشريعة الإسلامية، وانقلب إلى حكم مطلق استبدادي أدى إلى الخراب والتأزم المجحف، وكان نداؤه موجهاً أولاً وبالذات إلى زعماء الشعوب العربية والإسلامية، وبخاصة رجال الدين الذين تواطأوا مع رجال السياسة على إقرار نظام الحكم المطلق». هكذا حدد خير الدين ما يؤخذ من أوروبا التي تتقدم، في حين تعيش الإمبراطورية العثمانية التي تحكم المسلمين، في ظلمات الماضي السحيق، ولكنه يتمسك بالقواعد الإسلامية التي ترتكز على الحرية والعدالة والشورى. تحدث عن الحرية السياسية في أوروبا، وحضورها في الموروث الإسلامي، مستشهداً بمقولة عمر بن الخطاب، من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه. دعا إلى انتخاب طائفة من أهل المعرفة والمروءة، تسمى عند الأوروبيين مجلس نواب العامة، وعندنا أهل الحل والعقد، وإن لم يكونوا منتخبين من الأهالي. الحرية الأخرى التي دعا إليها خير الدين، حرية التعبير التي سماها حرية المطبعة، وهو ألا يُمنع أحد من أن يكتب ما له من المصالح في الكتب والصحف التي يطلع عليها الناس. الحرية الشخصية وهي إطلاق حرية الإنسان في ذاته وكسبه، مع أمنه على نفسه وعرضه وماله، ومساواته لأبناء جنسه لدى الحكم، بحيث إن الإنسان لا يخشى هضمية في ذاته ولا في سائر حقوقه، ولا يحكم عليه بشيء لا تقتضيه قوانين البلاد المقررة لدى المجالس. وبالجملة، فالقوانين تقيّد الرعاة كما تقيد الرعية.

اطلع خير الدين التونسي، على تاريخ المسلمين وعلى الشريعة الإسلامية، وكذلك على التاريخ الأوروبي القديم والحديث. قرأ بعين العقل والتدبر ما آل إليه وضع المسلمين من تخلف، وما تنجزه أوروبا من نهوض لا يتوقف. قدم خير الدين وصفة شاملة كفيلة بتحقيق نهوض المسلمين، والنجاة من هيمنة أوروبا عليهم.

الحرية وسيادة القانون ومأسسة الدولة دستورياً، وتطوير الحرف لتكون بدايات للصناعة، وحرية التعبير والديمقراطية، كانت وصفة النهوض الشاملة عند خير الدين. دعاة الإصلاح في زمنه كان أغلبهم من الغارفين من مستنقع الموروث. كان التونسي ومضة فريدة لم يرها من كانوا يحكمون في الآستانة، إلا بعدما تآكلت الدولة، ونهشها الأوروبيون بعد الحرب العالمية الأولى. رسم خير الدين بفكره النيّر أقوم المسالك للتقدم، لكن لم يرها الغافلون.

arabstoday

GMT 11:07 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

التاريخ والجغرافيا والمحتوى

GMT 10:59 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مرة أخرى.. قوة دولية فى غزة !

GMT 10:56 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حلم المساواة

GMT 10:24 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عرفان وتقدير

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ومضة لم يرَها الغافلون ومضة لم يرَها الغافلون



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:05 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير
 العرب اليوم - ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 03:47 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف تأثير المشي في الوقاية من الزهايمر

GMT 05:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة

GMT 20:17 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب

GMT 04:12 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروع أميركي لرفع اسم أحمد الشرع من قائمة عقوبات مجلس الأمن

GMT 05:01 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الدفاع المصري يطالب الجيش بأعلى درجات الجاهزية القتالية

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة

GMT 07:24 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات دبلوماسية أمام مشروع القوة الدولية في غزة

GMT 04:57 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مدفعية الاحتلال تقصف المياه اللبنانية قبالة الناقورة

GMT 04:49 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6.2 يضرب إندونيسيا

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 05:19 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخصين بضربة أميركية استهدفت قارب مهربين في المحيط الهادئ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab