مصر ومضات الحضارة المتجددة

مصر ومضات الحضارة المتجددة

مصر ومضات الحضارة المتجددة

 العرب اليوم -

مصر ومضات الحضارة المتجددة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

 

في الموسيقى، يُستعمل مصطلح السماعي والنوتة، وفي النحو العربي قيل، هناك قولان الكوفي والبصري. بعيداً عن أسماء الزمان السلطوي والعقدي والجغرافي والاجتماعي. هناك تاريخ لا يرحل وكأنه حالة مزمنة لا ترياق يزيح ثقلها. الجغرافيا قوة فاعلة مزمنة، وكذلك هي الثقافة والتاريخ. على خريطة الورق الكونية، تمتد خطوط طول وعرض، وتسكن دول لها وجود في حدود. على ورق الخرائط سكنت إمبراطوريات، وحكمت سلطات، وكانت أمم. إمبراطوريات حكمت من يليها، بقوة السلاح يحمله رجال. من الإسكندر الأكبر، إلى الرومان، وقبلهم الفراعنة، وبعدهم العرب. ذهب من ذهب وبقي من بقي. تكوين حضاري وثقافي ظلَّ يرفع رأسه فوق قبة الوجود الإنساني الممتد عبر الزمن. الحضارة المصرية الضاربة.

في سنة 1971، كنت طالباً في السنة الثانية بقسم الصحافة بجامعة القاهرة، ورئيساً لنادي الطلبة الليبيين بالقاهرة. نظمنا زيارة إلى الأقصر بالتنسيق مع نادي الوافدين بالقاهرة. قرابة أكثر من مائة طالب ليبي بالجامعات المصرية، تحركنا في القطار إلى صعيد مصر الجميل. الاحتلال الإسرائيلي يجثم على سيناء وأراضٍ سورية وأردنية فلسطينية. في مصر يشتعل غضب شعبي في كل البلاد، وللجامعة نارها وغضبها الحار الخاص. كانت المظاهرات الطلابية هي الشهيق والزفير الذي ينتجه الضمير الشعبي المصري. شاركتُ في بعضها أمام جامعة القاهرة، مع صديقَي حلمي سالم وسليمان الحكيم. كانت مدينة القاهرة خندق إرادة. خاف منه الخوف، وهرب من ترابه الوهن، وفاح فيه عطر المقاومة الرجولية والنسوية. هناك سمعت مصر ورأيتها. كنتُ عائداً مع صديق من مشاهدة مسرحية. ركبنا حافلة من الدقي إلى المساحة. ارتفعت صفارات الإنذار، تحذّر من غارة إسرائيلية جوية. هتف جميع الركاب رجالاً ونساءً، الله أكبر حنحارب حنحارب. في اليوم الثاني زرت بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة الليبيين، ومعهم بعض الضباط الوحدويين الأحرار الشباب. الرائد عبد السلام جلود، والرائد علي الفيتوري والملازم عبد السلام أبو قيلة، وآخرون لا أتذكر أسماءهم.

كانت مصر تترجرج بين لهيب نيران، وطوفان وجود يتقاسمه أضغاث يأس حار، وإصرار لا رافعة له أو ثقل ميزان. حركة التصحيح ضربة سياسية قادها الرئيس أنور السادات ضد من أطلق عليهم، مراكز القوة، أي بقايا عهد جمال عبد الناصر. بقايا غبار هزيمة الخامس من يونيو (حزيران)، لم يزل يغرس أشواكه في القلوب والأنوف. كلما اخترقت طائرة إسرائيلية، حاجز الصوت فوق سماء القاهرة، تحركت القنابل المضادة للطائرات، من القلوب والعقول المغروسة في التكوين المقاوم، قبل أن تنطلق من المدافع النارية المدفونة في التراب. الآن سنوات العمر تحاور زمنها، وتفتح صفحات لها سطور بما فيها، من نزق وغضب وأحلام وآمال، بعضها رحل وبعضها اضمحل. الآن في هذه الأيام التي بعضها يجلد ذاتها، وآهات تمرر أكفها، على وجوه يعلوها تراب تاه على صفحة بكماء. أسأل، أنا الذي أعيش على زفير زمن يتيم، أسأل وأستل علامة استفهام (؟) من حرف لواه الأولون، وأقول من وضع رصاصة المقاومة في بيت نار الوجود الكياني المصري؟ لسنا في حاجة إلى فتح مجلدات التاريخ، ولا تفكيك خطوط الطول والعرض، ولا قراءة حروف التراب الفرعونية، ولا ما قاله الفراعنة وما قاله من قبلهم وبعدهم. الحياة مواسم لها ما لها وعليها ما عليها في كل الدنيا، لكن لمصر فصولها الخاصة، ولها زمانها الفريد. قد تنحني كي تمر العاديات مع نسيم الزمن ورياحه وعواصفه، لكن مصر هام تكويني إنساني، يعرفه كل عصر ويمد له شفرة الوصل المقدسة. لولا مصر ما كانت تنتشر اليهودية، ولا المسيحية ولا الإسلام. مصر زمن يبدع أزماناً. زمن يكتب ويقرأ ويعبّر. له حواسه التي ترى وتقول وتعبّر.

من يقاوم مصر؟ هذا سؤال قد يبدو مغالطاً أو مراوغاً. نعم، لكن علامات الاستفهام لها مقاصد مزخرفة بدقات العقل. مصر أمة لها تكوين مغروس في بنية الوجود التأسيسي الإنساني. الأمم في الحضارات بين النهوض والهبوط، في مشارق الأرض ومغاربها، لكن للإنسانية رواسي بشرية ثابتة، لها أصول تخترق الزمان والمكان، ولا ترهقها عاديات الزمن. مصر قوة في الوجود الإنساني، أكبر من قوة الجغرافيا وسطوة التاريخ. الشرق هو زاوية قياس للإحساس الإنساني. الخوف من الانفلات العنفي المسلح، لا يمكن مواجهته إلا بزخات من رشات القيم الإنسانية الشاملة. السلاح يصنع قوة عالمية قاهرة، لكنه لا يبدع طاقة حضارة سلام إنسانية. البديل الإنساني الكبير، يبدأ من مصر التي أنطقت الصخر، وزرعت فيه الومضة الإنسانية الخالدة.

 

arabstoday

GMT 08:20 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

جبر.. وفن الحوار

GMT 08:15 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

خطوة بحجم زلزال

GMT 08:07 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

كوزموبوليتانية الإسلام السياسي

GMT 07:58 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

بور سعيد «رايح جاي»!

GMT 07:51 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

سيدة الإليزيه!

GMT 07:43 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

الأسئلة الصعبة؟!

GMT 07:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

العودة إلى الميدان!

GMT 07:22 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

إبادة شاملة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر ومضات الحضارة المتجددة مصر ومضات الحضارة المتجددة



البدلة النسائية أناقة انتقالية بتوقيع النجمات

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 05:11 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

إسرائيل والزمن

GMT 06:05 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

إسرائيل... وأوان مواجهة خارج الصندوق

GMT 04:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

ترامب يفرض رسومًا جديدة للحصول على إتش- 1 بي

GMT 13:52 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

هل يوقظ شَيْبُ عبدالمطلب أوهام النتن ياهو ؟!

GMT 03:19 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

النفط دون تغير يذكر وسط مخاوف بشأن الطلب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab