إسرائيل الأسطورة المقاتلة

إسرائيل الأسطورة المقاتلة

إسرائيل الأسطورة المقاتلة

 العرب اليوم -

إسرائيل الأسطورة المقاتلة

بقلم : عبد الرحمن شلقم

فلسطين القضية المزمنة. تتحرك الأعراض على جسم الزمن، لكن الداء العتيق يشهق ويزفر في أعماقه من دون توقف. جبال جمر التاريخ السحيق، لا تغادر أثقاله كاهل الذاكرة اليهودية. كتاب التوراة هو الموقد الذي لا تنطفئ ناره، وحطب التاريخ الثقيل، يُقَدُّ من أدغال التلمود المتشابكة. كل الأجيال اليهودية المتوالية كتبتها الأسطورة، ولا تتوقف هي عن الإضافة لها في كل مكان وزمان. كتاب المؤرخ والمفكر اليهودي شلومو ساند: «اختراع الشعب اليهودي» مجلد في 570 صفحة. رحل المؤلف في الدين والتاريخ والسياسة واللغة التي صنعت مسيرة طويلة للعبرانيين، ويخلص إلى أن الشعب اليهودي اختراع فريد، أمة وأرض صنعهما الله في زمن صنع الأساطير وصنعته. حرب عنيفة شُنَّت على المؤلف وكتابه من مؤرخين ورجال دين يهود، من داخل إسرائيل وخارجها. الأساطير المقدسة تعيش في الأفواه، وتمتد في السطور، وتفعل في السياسة والاقتصاد والقوة المسلحة، وتبدع الصمغ الذي يجمع مَن في الشتات. تتحول الأساطير إلى تاريخ حي لا يرحل مع عاديات الزمن.

شلومو ساند في مجلده الذي ترحّل عبره بين القديم والحديث، من مسيرة اليهود كتب عن قصة النبي موسى، التي تناولها كثير من المؤرخين ورجال الدين بمن فيهم اليهود. قال عنه سيغموند فرويد، وهو عالم نفس يهودي، إنه مصري الهوية وفرعوني التفكير. والفيلسوف اليهودي الهولندي، باروخ سبينوزا، تطاول في كتابه «رسالة في اللاهوت والسياسة» على التوراة ونسبها إلى شخص آخر عاش بعد موسى قروناً طويلة». يقفز شلومو ساند إلى حدث قريب، حيث يقتبس نصاً من خطاب ديفيد بن غوريون من إعلان استقلال إسرائيل: «في أرض إسرائيل وُلد الشعب العبري، وهنا تشكلت هويته الروحانية والدينية والسياسية، وهنا عاش حياة مستقلة. هنا خلق قيماً ثقافية سادت في نِطاق وطني وعالمي، وأعطت للدنيا كتاب الكتب».

ويستعرض المؤلف نصاً طويلاً كتبه المؤرخ جوزيبي فلافيو، في الحقبة الفولقارية، ويعتبره أول عمل تاريخي يتناول تفكيك بنية الوجود العبري ديناً وهوية. المؤرخ شلومو ساند يخلص إلى أن الأسطورة، التي يمتزج فيها الدين بالتاريخ وصيرورة الحياة، بكل ما فيها من جبال المعاناة الثقيلة، أنتجت عقلاً تملأه المخاوف والطموحات والإصرار العنيف، التي لا تزيلها أو تضعفها عاديات القرون الطويلة. ما تعيشه منطقتنا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وصدور إعلان «وعد بلفور»، وتدفُّق الهجرات اليهودية إلى أرض فلسطين، التي وُضعت تحت الوصاية البريطانية، إلى قيام دولة إسرائيل سنة 1948، كل ذلك تجسيد سياسي وعسكري لعصارة مكثَّفة وُلِدت من رحم زمن قديم يتجدد، امتزجت فيه الأساطير الدينية بالمعاناة التي عاشها العبرانيون. أرض فلسطين التي زُرعت كبذور مقدسة في العقل والوجدان اليهودي، كأرض الميعاد التي وهبها الله لشعبه المختار، حملها اليهود معهم في شتاتهم في أصقاع الدنيا. «إن نسيتُك يا أورشليم تنسني يميني»، (المزمور 137)، عبارة صلاة رافقت كبار اليهود وصغارهم أينما كانوا عبر التاريخ. يهودا والسامرة هي الأرض الموعودة التي وهبها الله لشعب موسى، ولكنْ دونها قوم جبارون. ونحن نتابع عبر شلالات الأخبار المرئية تكدُّس جثث القتلى تحت ركام غزة، والمجاعة المرعبة والعطش والمرض، واعتداءات المستوطنين اليهود على البيوت والمزارع والمراعي في الضفة الغربية، والقصف الجوي الإسرائيلي الذي لا يتوقف على الجنوب اللبناني، وأصوات المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو. كل ذلك يشدنا إلى قراءة ما كتبه المؤرخ اليهودي شلومو ساند مرات ومرات. شعب اخترع ذاته، وسكب على بذوره مياه الخوف والطموح والعنف.

لقد تحولت الأساطير إلى قوة فاعلة تتجسد على الأرض. في الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى، سنة 1948، هزم الكيان الوليد خمس دول عربية، واستولى على مساحة أكثر مما منحها له قرار التقسيم الدولي، وفي حرب يونيو (حزيران) 1967، هزمت إسرائيل، في أيام قليلة، ثلاث دول عربية، واحتلت مساحات كبيرة من أراضيها. بدأ مسار آخر فوق خريطة الصراع الطويل: التطبيع مع الكيان الذي أعطاه العرب سنين طويلة عناوين ترفضه. بعد خروج مصر عبد الناصر من حلبة المواجهة، وغروب الشعارات القومية العربية، ارتفع صوت إيراني ثوري إسلامي معادٍ لإسرائيل، ومدَّ أذرعه في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا. انتقلت المواجهة مع إسرائيل من الأنظمة السياسية إلى المنظمات ذات الآيديولوجيا الإسلامية، لكنها تلقت ضربات إسرائيلية عنيفة. حروب طويلة تغفو ثم تنفجر. ظلَّت القضية الفلسطينية حية، والشعب الفلسطيني يتشبث بحقه في إقامة دولته على أرضه. لكن إسرائيل ترفض ذلك، وترى أن الحل في مغادرة كل الفلسطينيين (transfer)، بمن فيهم مَن يحملون الجنسية الإسرائيلية، لكل ما تعتبره أرضها المقدسة الكاملة، التي وهبها الله لهم. الأساطير تحقق زمانها على الأرض، وكل ما كان حنيناً وحلماً، كبر واتسع بالقوة. في المقابل تبخرت الأحلام العربية، وتقاتَلَ العرب فيما بينهم، وتخلفت شعوبهم. شلومو ساند المؤرخ اليهودي، قرأ التكوين اليهودي، بعين على الماضي، وأخرى على الحاضر والآتي.

 

arabstoday

GMT 19:53 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

خواطر رجل مسن.. ملاحظات تمهيدية

GMT 15:03 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

نتنياهو حزين لفقد روح بريئة!!!

GMT 14:16 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

سوريا... مشروع «مارشال» العربي

GMT 14:14 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

عقلاء وحكماء في بطانة صانع القرار

GMT 14:13 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

الجُوع في غزة

GMT 14:12 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

العدوان على سوريا.. أهدافه وما بعده!

GMT 14:11 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

الملف النووى الإيراني.. إلى أين؟‎

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل الأسطورة المقاتلة إسرائيل الأسطورة المقاتلة



ياسمين صبري تختار الفستان الأسود الصيفي بأسلوب أنثوي أنيق يبرز أناقتها وجاذبيتها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 18:42 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

نانسي عجرم تدمج اللمسة المغربية في أحدث أعمالها
 العرب اليوم - نانسي عجرم تدمج اللمسة المغربية في أحدث أعمالها

GMT 04:34 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

فى مواجهة «حسم»!

GMT 05:06 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

ضاع في الإسكندرية

GMT 04:51 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

من بولاق إلى أنقرة

GMT 13:53 2025 الإثنين ,21 تموز / يوليو

السويداء.. والعزف على وتر الطائفية (٢-٢)

GMT 05:28 2025 الثلاثاء ,22 تموز / يوليو

وفاة ممثل أميركي عن عمر 54 عامًا غرقًا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab