استراتيجية «ترمب ــ ماسك»

استراتيجية «ترمب ــ ماسك»

استراتيجية «ترمب ــ ماسك»

 العرب اليوم -

استراتيجية «ترمب ــ ماسك»

بقلم : سوسن الأبطح

 

مع أن غزوة إيلون ماسك على «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» تبدو مجنونة، ومتسرعة، وكأنها عمل اعتباطي، إلا أنها تأتي ضمن الرؤية الترمبية - الماسكية المحكمة، التي تريد لكل سنتٍ يدفع أن يعود بالمنفعة المباشرة على أميركا. إذ ليس للثنائي المستعجل قطف الثمار، الوقت لانتظار النتائج الطويلة الأمد التي كانت جزءاً من السياسة الباردة المتبعة.

على الأرجح، أنه بعد إيقاف المساعدات 90 يوماً، فإن بعض الخدمات ستلحق بوزارة الخارجية، وتغلق الوكالة التي حاول رئيسان سابقان تغيير مسارها من دون جدوى. كان ذلك في عهد الرئيس نيكسون عام 1973 ثم في عام 1995 وفي عهد كلينتون عام 1997.

فأن يقول ترمب إن الوكالة يديرها «مجانين، ويساريون، ومتطرفون» يعني أنه مستاء من مشاريع دعم الجندرة والمتحولين جنسياً، التي يصرف عليها ملايين الدولارات، هذا عدا أن تقارير عديدة تحدثت عن نقص في الشفافية ورفض للتعاون مع التحقيقات. إيلون ماسك أكثر غضباً من صديقه الرئيس، فقد رمى الوكالة بأبشع الكلمات، ووصفها بالـ«شريرة» وبأنها «منظمة إجرامية»، وبما أنه «أمر لا يمكن إصلاحه» فلا بد من التخلص منه.

أميركيون كثر لا يريدون رؤية ضرائبهم تذهب لمرضى الإيدز في أفريقيا، أو لتعليم النساء الإنجليزية في لبنان، بينما هم لا يملكون دفع إيجار بيوتهم، لكن موظفي الوكالة العشرة آلاف، وبقية الحانقين، قد يكون لهم رد، كما أن القوانين لم تقل كلمتها.

إلى حين؛ ملايين المتضررين حول العالم، أغلقت عليهم الصنابير، من دون إنذار، والانعكاسات كارثية. طلاب في مصر حرموا منحهم الدراسية وطردوا في منتصف العام من جامعاتهم. الجيش في لبنان، قد لا يتقاضى جنوده رواتبهم. في الأردن مشاريع عديدة شلّت بالكامل. ولقطع الأمل، أوقف الموقع الإلكتروني للوكالة عن العمل كلياً، ربما إيذاناً بما هو أفدح. فهي فرصة لماسك قد لا تأتي ثانية أبداً.

علماً بأن أميركا قياساً بحجمها ليست الأكثر سخاءً على الإطلاق كما تدّعي. تدفع الوكالة ما يقارب 45 ملياراً سنوياً، وهو مبلغ كبير لكنه لا يشكل أكثر من 0.33 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يدفع بلد صغير مثل النرويج أكثر من 1 في المائة من ناتجه مساعدات إنسانية. لكن ضيق الحال، يولّد النكد، وهو تماماً ما نراه في حالة ترمب.

النتائج قد تأتي عكسية. خطة «أميركا أولاً» بدأت بإعدام هذه الوكالة التي تتصرف بـ60 في المائة من المساعدات الأميركية، وبفرض ضرائب جمركية على كندا والمكسيك والصين، وكلها تترافق مع اعتراضات وغضب مكتوم.

البعض اعتبر وصول ماسك إلى معلومات شديدة الحساسية في الوكالة، مع مساعديه الصغار، بعد إبعاد موظفين رئيسيين، شأناً خطيراً وغير قانوني. وصل الأمر بالسيناتور كريس مورفي أن يتهم ماسك بالعمل لصالح الصين التي يكسب من مصانعه فيها مليارات الدولارات، لأن هذا الإجراء يحرم أميركا من إحدى أدوات قوتها الناعمة التي تستخدمها لفرض سلطتها في العالم.

ثمة في أوروبا من يعتقد أنه لا بد من الالتفات شرقاً إذا ما أصرّ ترمب في تحطيم حلفائه، وكندا قد لا تمانع تجارة حرة مع الصين هي الأخرى. فما الذي تستفيده أميركا حين تعادي العالم كله وتبقى وحيدة.

الوكالة الأميركية مجرد إحدى قطع لوحة البزل المعقدة التي يعيد ترمب تركيبها تبعاً لمزاجه الخاص، حيث المصالح الاستراتيجية الأميركية تغيرت، والأولويات تبدلت، والأهم أن القيم التي تنشرها الوكالة لم يعد مرضيّاً عنها. فمن المشاريع التي تمولها ما يخدم نشر الديمقراطية، أو تعزيز حقوق الإنسان، وهما شعاران لا يحب ترمب أن يسمع بهما. أما المساواة، وحقوق المرأة، فهما حقاً مما يبغض ويحارب.

والمثير للسخرية من كل أهداف الوكالة هو عنوان «محاربة الفساد» في الدول التي تعمل بها، فيما هي المتهمة اليوم. نشرت «واشنطن تايمز» تصف الوكالة بأنها «بركة ضخمة من الهدر والفساد ويجب إغلاقها»، مذكرة بأنه منذ ثلاثين عاماً، كتبت مؤسسة هيريتيج مقالاً بعنوان «إلغاء الوكالة المسرفة في التنمية الدولية»، زعمت فيه أن «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية فشلت فشلاً ذريعاً في مهمتها الأساسية المتمثلة في تعزيز التنمية الاقتصادية في المواقع الخارجية، وأصبحت بدلاً من ذلك مستنقعاً للهدر والفساد والمزيد من الهدر»، وأن شيئاً من ذلك لم يتغير عام 2025، بل أصبحت أسوأ حالاً.

يتكلم ترمب قليلاً ويفعل كثيراً. عكس بقية الساسة، لكنه هذه المرة، يوقع ملايين المحتاجين والمعوزين والطلاب والمرضى في أوضاع شديدة البؤس من دون إنذار، أو إعطائهم فرصة زمنية لتدبر أمرهم. نعم «أميركا أولاً»، وهذا يفهم، لكن إذا كان من فائدة للعاصفة الترمبية، فهي أن تجعل أولوية كل دولة أن تأكل مما تزرع وتلبس مما تنسج، من دون انتظار دعمٍ حتى من أقرب الجيران. فالنموذج الكندي - الأميركي صارخ ومدوٍ.

arabstoday

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

دوائر دوائر

GMT 15:44 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

تصدوا للتضليل

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

أهواءُ إسرائيلَ وأهوالها

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

وحدات وانفصالات ومراجعات في المشرق!

GMT 15:42 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

من «غلاف غزة» إلى «غلاف الإقليم»

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

مطلب التدخل الدولي بوقف الحرب

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العودة إلى نقطة الصفر!

GMT 15:40 2025 الأربعاء ,23 تموز / يوليو

العالم... وحقبة استعمارية للأراضي القطبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استراتيجية «ترمب ــ ماسك» استراتيجية «ترمب ــ ماسك»



نانسي عجرم تكسر قواعد الموضة في "نانسي 11" بإطلالات جريئة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:39 2025 الخميس ,24 تموز / يوليو

مصرع 10 رجال إطفاء في احتواء حريق بتركيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab