حدود البطش

حدود البطش

حدود البطش

 العرب اليوم -

حدود البطش

بقلم : سوسن الأبطح

 

منذ تسلمت إسرائيل دفة الحرب، لم نعد نسمع عن السلام، سوى مرة واحدة في السنة، حين تمنح نوبل جائزتها كلما حلّ أكتوبر (تشرين الأول)، لشخص كان له دور في وقف عنف، أو تخفيض تصعيد، لذا فلا بأس أن تعطى لمن تلوثت أيديهم بالدماء، وأعلنوا شيئاً من التوبة. من ثمّ منحت الجائزة لإنسانية محمد يونس، وروحانية الأم تيريزا، مثلما أعطيت لمناحيم بيغن المقاتل العتيق في عصابات الهاغانا، وشمعون بيريز المسؤول عن تسليح طلائع القوى الصهيونية المحتلة في فلسطين في حرب 1948.

هكذا لم يعد السلام موجوداً بوصفه مفهوماً مستقلاً، وإنما بوصفه نقيضاً للحرب. وكأنما العنف هو الأصل، وتعايش الناس في وئام هو الاستثناء الصعب، إن لم يكن المستحيل. ولو أخذنا منطقتنا العربية مثلاً، فإن المطروح خياران، لا ثالث لهما: هدنة مؤقتة بين حربين، أو نار مشتعلة.

وبما أننا في الخيار الثاني، فقد ذهب نتنياهو، بجنونه العسكري إلى أقصاه، حد تحويل الحرب من «قتال» كما هو معهود، إلى «قتل جماعي» و«إبادة»، مع رفضه لأي وقف لإطلاق نار في غزة، واستعاضته عن ذلك بفتح جبهات جديدة في كل اتجاه، حتى إنه يقصف لبنان واليمن وسوريا وغزة في وقت واحد، للتدليل على تفوقه، واستعراض قوته أمام أهل المنطقة أجمعين. وفي خضم الاستعراض، ذهبت الطائرات فجأة إلى شمال لبنان، وقصفت في مخيم للاجئين مسؤولاً في «حماس»، قتلته مع زوجته وأطفاله؛ لا لأن هذا الحمساوي يشكل خطراً على إسرائيل، بل لتقول في بيانها إنها وصلت إلى طرابلس ثاني أكبر مدينة لبنانية.

وعلى غرار غزة، بعد ضرب المنازل الآمنة، وتهجير السكان، بحجة أنهم يقطنون مناطق لـ«حزب الله»، أخذت إسرائيل في ملاحقة الهاربين المدنيين، في المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء، تقتل عناصر الدفاع المدني والمسعفين والصحافيين. ذلك لأن لإسرائيل سيناريو واحد أينما بطشت وقصفت، وهو: القتل العشوائي، وتدمير البنى التحتية وبث الفوضى.

لكن، هل هذا ما يصنع الانتصار؟ «منذ الحرب العالمية الثانية، لم تتمكن قوة استعمارية واحدة من هزيمة مجموعات مقاومة». ويتحدث برنارد بادي، الباحث الفرنسي في العلاقات الدولية، في كتابه الجديد «فن السلام»، عن نتيجتين ممكنتين لمثل هذه الحروب: إما العودة إلى نقطة الصفر، كما الحرب الكورية، أو انتصار القوى المقاومة.

في حرب الجزائر انتصرت فرنسا، وقالت إنها قضت على الثورة، لكنها اضطرت بعد حين إلى الانسحاب، لنجد الثوار في الحكم. حرب فيتنام التي أحرقت خلالها أميركا، ما لا يحصى من الفيتناميين بقنابل النابالم، خرجت تجرّ ذيول الخيبة، وما لا يقل عن 60 ألف جندي قتيل. وفي العراق قضت أميركا على عشرات آلاف العراقيين، ونشرت الفوضى بدل الديمقراطية، ومن أفغانستان خرجت هاربة يلحق بذيل طائراتها عملاؤها. القوي في كل هذه الحروب ينتصر عسكرياً، ثم سرعان ما يجد نفسه مهزوماً سياسياً.

«حتى الحربين العالميتين، كان المنتصر يفرض شروطه، ويغير معادلات، ويقلب أنظمة، لكن من حينها باتت الحروب أكثر فتكاً، وتكلف أثماناً باهظة، ولم تعد تحمل حلولاً في خواتيمها، على الطريقة الكلاسيكية، كما في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبداية القرن العشرين».

يضرب الجيش الإسرائيلي بيروت بقنابل اليورانيوم، ويحرق بالفوسفور، ويعرض قدراته التدميرية، كل ليلة عبر البث التلفزيوني المباشر، بإحراق عشرات المباني وإسقاطها كالكرتون، وكأنه لم يتعلم أن التخويف والتسلط والإرعاب، ليست وسائل ناجعة لتحقيق الأمن لإسرائيل، بدليل وقوع 7 أكتوبر الذي أتاهم من حيث لا يدرون. وبما أن إسرائيل لا تملك سوى الحرب رداً على كل الأسئلة، فهي مضطرة عند كل مشكلة، أن تزيد من نسبة وحشيتها.

«أتحدى أن تجدوا حالة لحرب واحدة، انتهت بانتصار واضح، وسمحت للمنتصر بأن يجني ثماراً سياسية لصالحه، منذ الحرب الثانية. نحن بتنا نخوض حروباً من أجل الحروب». وبرنارد بادي ليس وحيداً في رأيه، هذا. الدبلوماسي اللبناني، والوزير السابق، الكاتب غسان سلامة، حين يسأل عن خلاصة تجربته في حلّ النزاعات مبعوثاً لدى الأمم المتحدة يروي أنه في عمر الثالثة والسبعين، عاش خمسين سنة من الحروب، أولاها في بلده لبنان، ثم في العراق وليبيا. وهذا كله له ثمن شخصي.

وقال: «أعطيت دروساً كثيرة لطلابي في موازين القوى، وتغيرها، وتبدّل أدوات الحرب، لكنني وصلت إلى نتيجة واحدة: ليس بمقدور الحرب أن تحلّ أي مشكلة».

arabstoday

GMT 11:21 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظ أفضل وراحة بال

GMT 11:19 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

صوت الجندي المكتوم في قارورة بحرية!

GMT 11:17 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

الجفاف يجتاح إيران وحرب مياه في أفق المنطقة

GMT 11:13 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

سقوط الفاشر... هل يُكرر السيناريو الليبي؟

GMT 11:10 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

سرقة متحف اللوفر

GMT 11:06 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

السيدة المعجزة

GMT 10:57 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وحلم الولاية الثالثة

GMT 10:55 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ساركوزي ولعنة ليبيا والقذافي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدود البطش حدود البطش



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 23:17 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
 العرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 20:23 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة إلى سموتريتش: السعودية دولة تملك التاريخ والجغرافيا

GMT 10:31 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

GMT 07:26 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نادين الراسي ترقص بعفوية في دبي وتكشف سر الـ Six pack

GMT 11:57 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

يتيمة العصر

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك... المُطلق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab