بقلم - أمينة خيري
كثيرون من أصدقائى من غير العاملين أو القريبين من الوسط الإعلامى يسألون سؤالًا واحدًا لا ثانى له: ما القناة أو الموقع الإخبارى الأكثر مصداقية وموضوعية لنستقى منه أخبار وتحليلات ما يجرى فى الشرق الأوسط، سواء حرب غزة، أو حرب إيران أو غيرهما؟!. فى البداية كنت أجتهد، وأقدح زناد فكرى، وأعصر مخى حتى أخرج بتوليفة جيدة. هذه تقدم أخبارًا منزهة عن الأهواء، وتلك تمنح تحليلات فيها قدر معتبر من الموضوعية، وهلم جرا.
كان هذا فى مرحلة حرب القطاع. ومع استمرار الحرب وطول أمدها، أخذت التوليفة فى الانكماش والاندثار. وحين تفجرت المواجهة بين إسرائيل وإيران، أو اعتداء إسرائيل على إيران، أو حسبما ترى، ومع تصاعد السؤال وإلحاحه: أى القنوات والمواقع نتابع بحثًا عن الحقيقة؟.. بدأت أجتهد مجددًا فى تشكيل توليفة جديدة، أضيف هذه، وأحذف تلك، وأضع ملحوظة بأن القناة الفلانية كانت تُعرَف بالموضوعية، لكنها باتت تتبنى وجهة النظر الرسمية لدولتها، فاحتفظت بالإطار النظرى للموضوعية، لكن غرقت فى الانحياز.
فى الصراع الدائر فى الشرق الأوسط الآن، هناك صراع موازٍ دائر فى القنوات والمواقع الإخبارية التقليدية، أى بعيد عن المحتوى المصنوع من قبل مستخدمين غير صحفيين على السوشيال ميديا، حتى لو كان أكثر متابعة من قرينه التقليدى.. مبدئيًا، فى أوقات الشدة والأزمات والصراعات المصيرية، كتلك التى نعيشها حاليًا، تعود الملايين أدراجها إلى الإعلام التقليدى، أو على الأقل تجمع بينه وبين متابعتها اليومية للسوشيال ميديا. هذه العودة مؤشر بالغ الأهمية على استمرار أهمية الإعلام الرصين المهنى فى لحظات مصيرية. حين يقع زلزال، لا يلجأ الناس إلى «فكيهة اللذيذة» أو «شايل همومى فى قلبى» أو «عشاق النورس» أو «زوجى سر سعادتى» لمعرفة قوة الهزة الأرضية على مقياس ريختر وتوقعات الهزات الارتدادية، بل يلجأون إلى الإعلام التقليدى.. صحيح أنهم يعودون أدراجهم إلى «فكيهة اللذيذة» ليتابعوا رأيها فى الزلزال وتقييمها للاهتزازات، لكن المعلومة تظل فى التقليدى.
وأعود إلى السؤال حول القنوات والمواقع الأكثر مصداقية وموضوعية لمتابعة وفهم ما يجرى، وأقول إن مسألة الموضوعية المنزَّهة عن التسييس أو الأهواء أو التحيزات فى الميل صوب إسرائيل وما تمثله، أو إيران ومن وما تنوب عنه، ليست موجودة فى هذه الحلقة المميتة من حلقات الصراع فى الشرق الأوسط «الجديد».
كل – وأعنى كل- وسائل الإعلام من مشارق الأرض ومغاربها، الغربية والعربية والأخرى واقعة أو مضطرة أو لا مهرب من ميلها لطرف على حساب آخر. وأضيف إلى ذلك أن الصور والفيديوهات والبيانات الرسمية المصدرة لنا من «منابعها»، لا سيما من إيران وإسرائيل، هى ما تريده لنا أن نسمعه ونراه ونفهمه، وليست بالضرورة ما يجرى على الأرض، أو على الأقل «كل» ما يجرى على الأرض.
جزء من تكتيك الصراع الحالى صناعة واقع، ولو بادعاء الخسارة والرعب والقلق، تمهيدًا لما هو آت، والله أعلم.