بقلم - أمينة خيري
بعيدًا عن الترويع أو الترغيب فيما يتعلق بمستقبل الكوكب، وعلاقة الأنظمة بعالم المال والأعمال، والحدود الفاصلة، أو ربما غير الفاصلة بين البيزنس والدولة، تشهد أمريكا تخصيص مدينة لتكون مركزًا لشركة خاصة للصواريخ والمشروعات الفضائية. المدينة كانت مقرًا لقاعدة إطلاق صواريخ نحو الفضاء على سبيل التجارب والبحوث العلمية والفضائية. ومع قدوم الرئيس ترامب للبيت الأبيض، وتوثيق علاقته بالملياردير ورجل الأعمال متعدد الأنشطة والمجالات والمواهب والمثير للجدل إيلون ماسك، أجرى تصويت، يوم السبت الماضى، لاعتمادها رسميًا باسم «ستاربيس»، وتكون موطنًا لشركة «سبيس إكس» المملوكة لماسك.
ورغم اتهامات سابقة للشركة من قبل سكان المدينة ومدن مجاورة من أن أنشطة الشركة تدمر البيئة وتلحق بها وبصحة المواطنين وتعرضها لمخاطر عدة، إلا أن كل هذا تبخر فى الهواء، وحل محله ٢١٢ صوتًا وافق أصحابها على أن تكون المدينة للشركة الفضائية، فى مقابل ستة أصوات رافضة.
وعلى الرغم من أن ماسك رجل أعمال، أى أن ماله وأعماله قطاع خاص، إلا أن شركته ومشروعاتها وبرامجها وثيقة الصلة بكل من وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة الفضاء الأمريكية «ناسا». وتعمل الشركة الخاصة بمقتضى عقود واتفاقات مع هذه الجهات الحكومية السيادية والمهمة بغرض إعادة إرسال رواد فضاء إلى القمر وكذلك إلى المريخ.
الشركة إذن ليست حبرًا على ورق، فهى منشأة بالفعل. والصواريخ وبحوث الفضاء وتجاربه ليست مزمعة، أو فى خطة خمسية أو عشرية مستقبلية، بل هى تجرى على الأرض، أو بالأحرى فى الفضاء منذ عام ٢٠٢١. كما أن التعاون والاتفاقات مع جهات حكومية بالغة الحساسية ليست وليدة اليوم أو الأمس، لكن الجديد هو أن يحظى رجل أعمال بمدينة لتكون بمثابة مركز مدنى لأعماله الفضائية.
تقع المدينة فى جنوب ولاية تكساس. ورغم الأصوات التى كانت تجاهر بالاعتراض على مدار هذه السنوات من توسع سيطرة الشركة، وملامح سطوة غير معتادة، تمثلت فى مظاهر عدة، منها طلب الشركة صلاحيات بإغلاق الشواطئ أثناء عمليات إطلاق الصواريخ، إلا أن غالبية الأصوات صوتت لتكون المدينة «ستاربيس» فعلًا لا قولًا.
اعتقد البعض أن الرابطة بين الرئيس ترامب وبين إيلون ماسك انتهت أو تعرضت لهزة قد تنهيها بعد ابتعاد الأخير عن مسؤوليته التى كلفه بها الرئيس، وهو التكليف الذى أثار دهشة الملايين فى داخل أمريكا وخارجها، ألا وهى إدارة الكفاءة الحكومية. إنها الكفاءة التى تمثلت فى تفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وتسريح آلاف الموظفين، وغيرها من الإجراءات الجذرية. واقع الحال يشير إلى انتهاء مهمة ترامب فى مسألة «الكفاءة الحكومية»، مع بقاء الصلة الوثيقة مع الرئيس ترامب، إن لم يكن فى حاضر إدارة الأجهزة الحكومية، ففى مستقبل الانطلاق نحو الفضاء والاستثمار فى أذكى منصة للذكاء الاصطناعى وعد ماسك بإطلاقها والعملات الرقمية وغيرها الكثيرة من أمارات المستقبل وعلاماته. إنه عالم جديد حقًا، وإن لم نشارك فيه، فلنستمتع على الأقل بمتابعته.