بقلم - أمينة خيري
لا أذكر أننى شعرت بفرحة كتلك التى انتابتنى يوم ٣ يوليو ٢٠١٣. لم تكن فرحة تخلص من سلطة تاجرت جماعتها بالدين والثقافة والعقول والقلوب، بقدر ما كانت فرحة الأمل بالشعور بالأمان فى بلدى، لا فى بلد آخرين. نعم، هم آخرون، لطاما شعرت بذلك، حتى قبل أحداث يناير ٢٠١١ بعقود.
هم نجحوا فى صناعة هوية قبيحة لا تمت لجنسية أو دين بصلة، هى هوية قائمة بذاتها على القساوة والخبث والملاوعة وكراهية كل من لا يشبههم وبالطبع كل من يقاوم تسليم دماغه لهم، وذلك باسم «قال الله وقال الرسول». ليسوا الجماعة فقط، ولكنهم كل جماعة أو جمعية أو مجموعة قائمة على الترويج لنسخة جافة كريهة غارقة فى التطرف مفرغة للدين من معاملاته ومفرطة فى تحويل عباداته إلى أسلوب حياة بائس. وهم فى صناعتهم البائسة مثلهم هذه نجحوا فى التغلغل إلى عقول وقلوب الكثيرين على مدار عقود. فى ٣ يوليو ٢٠١٣، تخلصنا من حكم الجماعة وحلفاء الحكم من جماعات التطرف والتشدد والإرهاب.
واليوم أقول إن علينا المراجعة من أجل الحفاظ على ما حققناه وتصحيح المسار.
نراجع ماذا؟، نراجع استمرار الفكر المتطرف بين الكثيرين من المصريين. وبعيداً عن نعيق البوم وتربص المتربصين، ليس المطلوب إلغاء الدين، المطلوب تطهير الخطاب ومراجعة تداخل الأدوار. بعد ١٢ عاماً من اليوم الباعث على الاطمئنان، يجدر بفئة «الناجين من تدين السبعينيات المظهرى المفرغ من المحتوى»، ومعهم المعارضون لتوغل سلطة رجال الدين على الحكم مراجعة الموقف!، هل نحن بالفعل دولة مدنية؟، هل هناك فصل بين سلطة المؤسسات الدينية وغيرها من المؤسسات؟، بمعنى آخر، ومع كامل الاحترام للمؤسسات الدينية ورجالها ونسائها، هل يتم الزج بها وبهم فى شؤون الحياة المدنية؟، على سبيل المثال لا الحصر، هل يعقل أن تذهب ملايين الجنيهات للكتاتيب لا للنهوض بمحتوى التعليم وعقول المعلمين؟
هل يعقل أن يكون أحد أقرب الحلول لنزيف الطرق الذى لا يهدأ أن يخطب فينا أئمة المساجد حول حرمانية القيادة المتهورة وعكس الطريق قبل أن يكون الحل تطبيق قوانين المرور ٢٤ /٧، لا مصادرة بضع مركبات؟ ٣/ ٧ أنهت حكم جماعة، وأنقذت مصر والمصريين. ويبقى التعامل مع فكر الجماعات والجمعيات والإصرار على الزج بالدين فى فوائد البنوك وتعليم المرأة والموسيقى والذكاء الاصطناعى والطب وغيرها سائداً.
المراجعات التى أقول إنها ضرورية لا تقتصر على تداخل السلطات فقط، ولكنها تمتد كذلك إلى سماع أصوات المصريين الذين نزلوا شوارع مصر وميادينها، مطالبين بالإنقاذ. المراجعة لا تعنى أبداً تقليلاً من عملية الإنقاذ، بل تدعيم لها. وهذا يتطلب تقييماً لما فات، وتخطيطاً لما هو قادم، وأولويات المستقبل. كلمة أخيرة، حين ترى مندوبى الجماعة و«اللى من جماعة بس بيحترموها» يسكبون الدمع والآهات على السوشيال ميديا، تأكد إننا نجونا. واستدامة النجاة تتطلب تقييماً لما فات، وتخطيطاً للمستقبل.