بقلم - أمينة خيري
«الأجسام فى المرآة أقرب مما تبدو» لا تنطبق على مرآة السيارة الجانبية فقط.. «أجسام» السوشيال ميديا أبعد أو أقرب أو لا تَمُت بِصِلة لما تكون هى عليه فى الطبيعة.
الـ«سوشيال ميديا» تعطى صوتًا لمن لا صوت له، ومنبرًا لمن لا منبر له، وتكتشف مواهب، وتمد الملايين بصمام أمان ينفسون من خلاله عن هموم وضغوط. فى الوقت نفسه، هذا الواقع بالغ الافتراضية، مع غرقنا المستمر فيه، واعتقادنا أن حجم المشكلات، وأبعاد القضايا، وأهمية الأشخاص، وماهية الأديان والأفكار والأخطار هى تلك التى تقدمها لنا الـ«سوشيال ميديا»، جميعها يدفع بنا إلى تهلكة حقيقية من نوع جديد.
السوشيال ميديا تقدم «واقعًا» خاصًا بلوس أنجليس، وأسعار الفاكهة فى سوق العبور، ومعركة ترامب وماسك، وخناقة أحمد السقا وزوجته، والسفينة مادلين، وسوزى الأردنية، وحرب الرقائق، وقصور الثقافة، وتخفيضات وكالة «ناسا»، ومبادرة الكتاتيب، ورد المطلقة وجلب الحبيب وإبطال الأعمال وإخراج الجن من الحمام، ونجاح زراعة قلب صناعى فى إنسان، واختبارات الدم لاكتشاف ألزهايمر فى مرحلة مبكرة، والتوصل إلى أسباب إصابة النساء أكثر من الرجال بأمراض المناعة وغيرها.
هذا «الواقع» يكون مطابقًا لما يجرى على الأرض فعليًا، أو يشبهه إلى حد كبير، أو لا يمت له بصلة إلا بالعناوين. ومعرفة الفرق بين «الوقوع» الثلاثة أمر بالغ الصعوبة، وأحيانًا مستحيلًا. وحتى لو كان ذلك ممكنًا، فكم من المائة من مستخدمى السوشيال ميديا سيمضون ساعة أو ساعتين أو أكثر فى البحث والتنقيب عن مدى صحة ما يطالعون على الأثير؟! الأغلب أنها نسبة قليلة جدًا جدًا.
قراءة أخبار وتحليلات تظاهرات لوس أنجليس وماذا تعنى، والمعركة الدائرة بين الرئيس الأمريكى ترامب والملياردير إيلون ماسك ومغازيها، وحركة حماس ومستقبلها، وحرب السودان ومن يؤججها، وسعر العنب ومن يرفعه، والإرهاب فى منطقة الساحل ومن يموله، ونقص وارداتنا من الغاز هذا الصيف وآثارها، والجامعة العربية ومعركتها تعطى إحساسًا ما بأن من يطالعها قد اطلع على الحقيقة، وفَهِمَ ما وراءها.
ولكن ما تقرأ أو تشاهد حضرتك، يختلف عما أقرأ وأشاهد، وكلاهما يختلف أيضًا عما يطالع زيد وعبيد وأسماء وشيماء. كل منا له واقع يختلف عن الآخر على السوشيال ميديا. الخوارزميات الذكية تفعل ذلك، وتدفع كلًا منا إلى واقع خبرى وتحليلى يناسب توجهاتنا وأهواءنا، ويتطابق مع أيديولوجياتنا ومعتقداتنا.
بمعنى آخر: السوشيال ميديا بيئة يواجه فيها كل منا واقعًا لا يحتوى إلا على المعتقدات والآراء التى تتوافق مع آرائه. هذا الواقع يعزز الآراء الموجودة أصلًا، ويتم تجنب الآراء والأفكار الأخرى. بمعنى ثالث، جزء كبير من محتوى السوشيال ميديا عبارة عن تأثير غرف الصدى، والأخبار والمعلومات المعلبة، بحسب توجهات معينة، والنتيجة أن عالمك يختلف عن عالمى عن عوالم الآخرين.
كل المطلوب هو معرفة كيف تعمل خوارزميات السوشيال ميديا، والأخذ فى الحسبان أن «الأجسام فى السوشيال ميديا» أقرب أو أبعد مما تبدو.