بقلم - أمينة خيري
حلوة الطائفية؟! الدق على النعرات المذهبية والعقائدية جميل؟ إنها كارثة الكوارث. والأعتى منها من يعتقدون – سواء عن هبل أو عن خبث- أن نظاماً قائماً على الطائفية أو الفوقية العقائدية أو العرقية يمكن التخلص منه عبر صناديق الانتخابات والعملية الديمقراطية. فى مصر، وعقب أحداث يناير ٢٠١١ خضت مناقشات حامية مع أصدقاء «ليبراليين» حول المرشحين أحمد شفيق ومحمد مرسى.
غالبيتهم أجمعت على أن الأصوات يجب أن تذهب لمندوب الجماعة، لماذا؟ «لأننا عرفنا طريق الميدان، ولو حاول تمكين جماعته، فالطريق معروف، والصندوق موجود، ولم نعد فى حاجة إلى ثورة أو حماية جيش أو دعم شرطة.
الصندوق حاكم»! كنت أسمع هذه الكلمات وأنا فى حيرة من أمرى، فكيف لمن أتى حاملاً شعار «الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا» أن يتم التخلص منه عن طريق صندوق؟ أى صندوق هذا الذى سيصمد أمام من يدعى أن الله غايته والقرآن دستوره؟ أليس من المنطقى أن يتم نعت أية محاولات تتم عبر «الصندوق» (الانتخابات) بأنها تعادى الله، وتناهض القرآن؟! ألا تعتبر كل الجماعات الدينية نفسها مندوبة الله على الأرض؟ ألا تعتبر مهمتها الرئيسية إما ضم الجميع تحت جناح جماعتها.
وإن تعذر ذلك التخلص من الرافضين والممانعين، إن لم يكن حرفياً فعبر إسكاتهم وتهميشهم واعتبارهم حثالة بشرية؟! وبعيداً عن التنظيرات السياسية والاستخباراتية حول الأيادى الخفية وغير الخفية فى المشهد السورى المرعب والمؤسف، والمتوقع منذ نهاية شهر يناير الماضى، متابعة ما جرى وسيجرى فى سوريا كاشف لما تفعله الطائفية بالبشر. صفحة السويداء واحدة بين صفحات كثيرة، أو فلنقل صفحة دروز سوريا واحدة من ضمن صفحات كثيرة. سوريا لوحة موزاييك متعددة الأعراق والطوائف. مسلمون سنة يشكلون الغالبية، وأكراد وعلويون، ومسيحيون، ودروز، وتركمان، وأرمن.
وكان هناك يهود أيضاً، لكن أغلبهم، وعددهم نحو خمسة آلاف يهودى سورى، ترك سوريا بعد محادثات عقدت فى مدريد عام ١٩٩٢. اللافت أنه فى فبراير الماضى، دعت «السلطات» السورية الجديدة الحاخام السورى يوسف الحمرا وعدداً من السوريين اليهود لزيارة سوريا «لاستعادة الذكريات والممتلكات والاجتماع مع الحكومة الجديدة». وقتها، أراد البعض أن يعتقد أن هذه الخطوة إشهار لمرحلة سورية جديدة منزهة عن الطائفية! وأعود إلى السويداء وأقول نتمنى السلامة والأمان لسوريا والسوريين نعم، لكن الأمنيات وحدها لا تكفى، لا سيما حين يكون المشهد يسير فى اتجاه مغاير. والحقيقة أن أكثر ما يقلق هو تعليقات ومواقف الناس العاديين، لا السلطة.
الطائفية ليست جينات، لا نولد بها، بل نكتسبها ونتعلمها ويتم تخصيص من يتأكد من غرسها وترسيخها، ويحصلون على رواتب مقابل عملهم. وللعلم أيضاً، الطائفية ليست حكراً على المذاهب المختلفة، ولكنها موجودة بين أتباع المذهب الواحد، ولنا فى «الجماعة» عبرة. ألم أقل لكم إن الدولة المدنية، لا النصف مدنية والنصف دينية، أو الدينية الـ«كيوت»، لا بديل عنها لمن أراد النجاة؟.