بقلم - أمينة خيري
أدعى أن هذه من المرات القليلة- إن لم تكن النادرة- التى لا تهتم فيها جموع المصريين بقيل وقال «تغيير الحكومة». سواء كانت هناك نية لتغيير بضع وزراء، أو إجراء حركة تنقلات من وزارة إلى أخرى، أو اختيار رئيس وزراء جديد، وسواء اتفق الخبراء الدستوريون على وجوب تقدم الحكومة باستقالتها بعد الانتهاء من عملية الانتخابات والإعادة فى الدوائر التى تم إبطال نتائجها، أو أفتوا بأن الاستقالة ليست إلزامية، أو تقرر الإبقاء عليها، تبقى الغالبية – برؤى العين والرصد الشخصى- غير مهتمة.
عدم الاهتمام لا يعنى أن الشعب مقصر فى حقوقه السياسية، ولا يعنى أن الحكومة سيئة، بمعنى الأداء الفردى للوزراء. عدم الاهتمام، أو بالأحرى فقدان الاهتمام، أسبابه كثيرة، بعضها يمكن توقعه، والبعض الآخر قد يدهشنا إن سألنا الناس، وجزء منه مثير للحرج والحساسية.
بداية، المصريون على مدار عقود طويلة فقدوا الاهتمام بالسياسة بمعناها المتمثل فى الأحزاب والبرامج والمرشحين والمجالس النيابية وكيفية اختيار النائب وطلبات الإحاطة وغيرها. الأسباب يمكن الاتفاق عليها.
الذكاء الاصطناعى يخبرنا بأن أهم الأسباب تتلخص فى الأوضاع الاقتصادية، حيث تدهور الأوضاع المعيشية، وسيادة الشعور بالعجز الاقتصادى، وفقدان الثقة فى القدرة على إحداث تغيير اقتصادى يحسن من معيشتهم، وهو ما يدفع الغالبية إلى التركيز على أولويات الحياة اليومية وإيجاد سبل العيش، لا الانخراط فى الشأن السياسى ممارسة أو متابعة أو اهتماماً، واعتبارها رفاهية لا يملكونها وتعقيداً إضافياً هم فى غنى عنه، وذلك على مدار عصور الرئيسين السادات ومبارك، وبدرجات متفاوتة. ويضاف إلى ذلك عوامل ثقافية، حيث غياب التربية المدنية التى تركز على معنى وقيمة وأثر «واجب» المواطن فى المشاركة من أجل تغيير واقعه، مع شيوع شعور اليأس السياسى على مدار العصور. إنه اليأس الذى يتفاقم فى كل مرة يحدث فيها تغيير مفاجئ جذرى، مثل أحداث عاصفة أو ثورات أو غيرها، فتتجدد الآمال وتنتعش الأمنيات، ثم تعود الأوضاع السياسية لسابق عهدها، ولكن بـ«لوك جديد»، فتهدأ الحماسة، وتخفت الأمنيات، وتندثر الأحلام، وهلم جرا.
وأعود إلى قيل وقال تغيير الحكومة، والذى احتفظ على مر العصور باهتمام الناس، حتى فى عز اللامبالاة بالمشهد السياسى. حافظت القاعدة العريضة من المصريين على حد أدنى من الاهتمام بـ«الحكومة» فى التاريخ المعاصر، لا سيما فيما يتعلق برئيس الوزراء وعدد من الوزارات، سواء لأسباب تتعلق بطبيعة عملها، مثل التموين والداخلية والتعليم، أو لعوامل لها علاقة بالوزير نفسه الذى يحظى باهتمام الناس لأسباب تتعلق بسمات شخصية أو ملكات فريدة تجذب الاهتمام الشعبى، حتى لو كانت وزارته بعيدة عن اهتمام الناس بتفاصيل الحياة اليومية، مثل الخارجية مثلاً.
أقول إن الغالبية اليوم غير مهتمة بالتغيير، وحتى الحد الأدنى من حب الاستطلاع أو الفضول متقلص إلى حد كبير. يمكننى تحديد بضعة أسباب، ولكنها لا ترتكز على استطلاعات أو قياسات رأى، وهذه دعوة لفتح باب استطلاعات الرأى العام لمن يرغب فى معرفة كيف يفكر المصريون.