بقلم:أمينة خيري
أنهيت مقال الأمس بأن هناك مسمارا مزمنا بات يربط بين الغُلب وبين كسر القانون، وكأن احترام القانون سيزيد الفقير فقراً، مع العلم أن شوارعنا تقول إن كسر القانون أصبح للجميع. وكنت قد كتبت على مدار عقود عن «القانون»، كل القوانين، لا قوانين السير فقط. فلو كان القانون مطبقاً بشكل أفضل منذ ما يزيد على نصف قرن، لما فقدنا ما فقدناه من أرض زراعية لصالح بيوت عشوائية وامتداد عمرانى قبيح عليها، ولما اختفت أرصفتنا تحت توغل المقاهى ومعروضات المحلات وسلاسل السكان الحديدية لحجز أمام الركن على الرصيف والأكشاك المتمددة فى كل الاتجاهات وحتى بالاستيلاء عليها وزراعتها وتسويرها من قبل أصحاب الفيلات والعمارات فى التجمعات السكنية الجديدة، بل وحتى من قبل كشك الأمن الملحق بالبنك والذى يجبر المارة للمشى فى منتصف الشارع لأنه يسد الرصيف، ولا ننسى سنوات الاستيلاء على الأرصفة لبناء زوايا مقابلة للمساجد، وهو ما يحول إزالة التعدى وسداد المخالفة إلى محاربة الدين والرغبة فى القضاء على المتدينين. ويحضرنى كذلك فى صفحات كسر القانون توغل ظاهرة «السنتر» وتحولها إلى منظومة نافست وزارة التربية والتعليم، بل وعددتها بسحب المعلمين والطلاب حتى أصبح لدينا فى سنوات سابقة ظاهرة «الفصل الفاضى» حيث الجميع فى «السنتر»، والقائمة أطول مما يحتمل مقال فى صحيفة. تحول كسر القوانين إلى أسلوب حياة، ومن لا يكسر القانون، فهو من الخاسرين أو المستضعفين أو كليهما.
والمصيبة أنه فى اليوم الذى نستيقظ فيه على وقع ما وصل إليه الحال من ضرب عرض الحائط بالقانون، نلجأ إلى رجال الدين والمؤسسات الدينية لتجرم كسر القوانين. وللمرة المليون، هذا الانتقاد ليس رفضاً لرجال الدين، أو تقليلاً من شأن المؤسسات الدينية، ولكن هذا ليس تخصصهم، وإلا فما الداعى لوجود كل هذه الوزارات بدءاً بالداخلية مروراً بالتنمية المحلية والتضامن الاجتماعى والتخطيط والنقل والبيئة؟ أليست البيئة الحاضنة لـ«شهاب من عند الجمعية» و«طالبة الجبر... إلخ.. واللجنة الشادة» غارقة فى مظاهر التدين والالتزام؟ ألا تنضح كل تفصيلة من تفاصيل الشارع والبيت والحقل والمصنع والمكتب بالتدين؟ ألا يتم إقحام رجال ونساء الدين حالياً، بعد ما تم تديين المجتمع مظهرياً وشفهياً، فى الحديث عن فوائد البنوك والقروض وعلاج قرحة المعدة ومواجهة الفقر والمخزون الاستراتيجى للقمح وإطلالة الفنانات والصراع العربى (عفواً الفلسطينى) الإسرائيلى والغناء والسير العكسى ودراسة الفنون الجميلة وتعليم البنات وسد النهضة واستخدام الذكاء الاصطناعى وإثم الممتنع عن الإدلاء بصوته فى الانتخابات؟ أين الوزارات المعنية بكل ما سبق؟ وأين القوانين المدنية المنظمة لما سبق؟ ماذا لو قرر رجل الدين أن يخبر الجماهير الغفيرة يوماً ما أن هذه القوانين تعارض الدين، وأن عليهم تجاهلها تماماً، أو وجب عليهم الخروج على الحاكم مثلاً؟ وبهذه المناسبة، قرأت تعليقاً مفاده أن سبب فوضى الشارع هو أن الدولة تحارب الدين وتضيق على المتدينين، وهو ما يعنى أن دراكولا متعطش للمزيد من الدماء، وللحديث بقية.