بقلم - أمينة خيري
الألم والأمل الثانى فى آلامى وآمالى الخمسة هو المرور. ألم المرور عميق ومزمن. والسبب لا يقتصر على حال الشوارع والميادين من فوضى وجنون وضرب عرض حائط بقواعد السير، لكنه يمتد إلى صعوبة توصيل الرسالة.
حالة الطرق فى مصر ليست على ما يرام أبدا. تحسنت الطرق كثيرا من حيث البناء والتشييد والتوسع وتغطية أنحاء مصر، وهو ما لم تشهده مصر على مدار عقود طويلة جدا. أما حالة البشر الذين يستخدمون شبكة الطرق هذه، فتحتاج كونسولتو قانونيا واجتماعيا ونفسيا وعصبيا وتعليميا وصحيا.
ما يحدث فى الطرق مؤلم، لا للمواطن المعرض لأن يفقد حياته فى حادث سير كان من السهل منع حدوثه فقط، ولكن لكبار المسؤولين الذين يشهدون كيف يتم التعامل مع ما تم تشييده من ملحمة طرق وكبارى حقيقية، حيث الجنون سيد الموقف.
أبرئ ذمتى وأقول، ما أكتبه مرارا وتكرارا عن فوضى وعشوائية وجنون الطرق ليس المقصود به تحميل جهة بعينها المسؤولية. ليس من المنطقى أن يتم تعيين عسكرى يصاحب كل مواطن ليقوّم أفعاله على الطريق، لسببين: الأول عدم وجود عساكر تكفى للمهمة، والثانى أن العساكر أنفسهم لا يدركون ماهية المعضلة.
لدينا ترسانات قوانين مرور تحوى مئات البنود والنصوص بين غرامات سير عكسى ووقوف فى الممنوع والتعدى الخاطئ وغيرها. ما يتم تطبيقه هو لجان وكمائن تفتش فى الرخص، وتحرر مخالفات، وتصدر بيانات بين الوقت والآخر تحوى أعدادا لما تم إنجازه من مصادرات وغيرها.
حال الطرق أكثر تعقيدا. حين يتحول ما تبقى من أرصفة إلى مرتع للدراجات النارية، وحين يجهل قائد السيارة قواعد التخطى ومعانى الخطوط على الأرض وأولويات المرور إلى آخر القائمة، وحين يتحول السير العكسى إلى عقيدة لا تتزعزع، وحين يمتلئ زجاج السيارات بملصقات وصور وعبارات، بما فى ذلك المواصلات العامة، وحين يجد المواطن الملتزم المنقرض نفسه فى مواجهة وجها لوجه مع البلطجة المرورية، فإن الأمر لا يحتاج لجنة وقائمة مخالفات ومصادرات، بل يحتاج مشروعا قوميا يتبناه الرئيس السيسى نفسه لحقن دماء الناس.
المرور ليس مسؤولية وزارة الداخلية وحدها، والمطالب بذلك يظلم الوزارة والعاملين فيها. المرور تنشئة فى البيت، وتعليم وتربية فى المدرسة، وتوعية فى الإعلام ومنصات الثقافة، وتطبيق صارم لقواعد استخراج الرخصة، وهى القواعد التى تتبعها الدول ذات نسب الحوادث الأقل منا بكثير. المرور لن ينصلح بالتوسع فى الكتاتيب، أو بتخصيص خطبة الجمعة أو عظة الأحد لحق الطريق، أو توليفة جديدة من القوانين تضاف إلى الترسانة.
فوضى السير، وعشوائية القيادة، وغوغائية الشارع آلام عميقة نحملها من عام إلى عام فيما يشبه الحلقة المفرغة. هل يحمل العام الجديد أمل كسر الحلقة، والإقرار بأن حال شوارعنا كارثى، وأنه يحصد الأرواح على مدار الساعة، ويطفش السياح، ويجعل سيرتنا المرورية على كل لسان؟.
إصلاح المرور يحتاج إقرارًا بأن المشكلة تكمن فى مفهومنا عن الإصلاح