محمد أمين
ذكّرتنى رسالة الدكتورة هناء إسماعيل أمس، وإشادتها بما فعله المهندس حسب الله الكفراوى، رحمه الله، فى مارينا، بموقف آخر له مع الرئيس السادات أشرت إليه سابقاً عن تكلفة بيع الأراضى للمصريين.. قال السادات: «هنبيع متر الأرض بخمسين قرش يا كفراوى!».. فرد الكفراوى: «إزاى يا ريس، المتر بيتكلف 14 جنيه؟!».. وكان ساعتها تكلفة المتر بالمرافق 14 جنيها، وهو كوزير لا يريد أن يخسر.. فرد السادات: «المواطن إن ما كنش له أرض يسكن فيها، وأرض يشتغل فيها، وأرض يندفن فيها، يبقى إزاى هيكون له ولاء للوطن؟!».
ومات الاثنان وعاشت هذه الكلمة فأصبحت خالدة بعد الوزير والرئيس.. وبالمناسبة لم نكن نعرف بها لولا أن الوزير حكاها بعده، فكشفت عن رؤية الرئيس السادات لإدارة الوطن.. وحق المواطن فى وطنه وكيف يكون الولاء والانتماء!
وكانت الدولة تبيع الشقة منخفضة التكاليف بأسعار فى متناول الفئات محدودة الدخل ومتوسطة الدخل.. وأصبح الموظفون لديهم فرصة للحصول على شقة فى إسكان الوزارة والمجتمعات الجديدة، ولديهم القدرة على سداد قرض بنك الإسكان والتعمير، وكانت الشقة فى حدود ألفين وثلاثة أقصى حاجة، فسكن الشباب، وتزوجوا وكان هذا هو الدور الاجتماعى للدولة!
أما الآن فإن سعر المتر يصل إلى ثلاثين ألف جنيه والشقة فى حدود ثلاثة ملايين، مساحة 100 متر، ولا يستطيع سداد قيمتها والرواتب مازالت كما هى منذ عشرين عاماً، بزيادات دورية قدرها 7٪ فقط.. يا دوب يعيش بدون سكن ولا مرافق ولا أقساط بنك وخلافه، من العلاج ومصاريف المدارس!
للأسف، لم يعمل أحد برؤية الرئيس السادات، للحفاظ على الطبقة المتوسطة، ولم يراع نظرته لحقوق المواطن وكيف يكون عنده ولاء للوطن؟.. نريد أن نسترجع هذه القيم مرة أخرى ونحرص على البعد الاجتماعى للدولة، فالمواطن ليس مستثمراً، ولكنه موظف بسيط، فمرتبه مرتب حكومى ومعروف، ولا يصح أن نتعامل معه بمنطق تجارى، فالمفترض أن نتأكد من قدرته على السداد، فلا نهدد المواطن ونهدد استقرار الوطن!
هكذا كان السادات وهكذا كان الكفراوى يعرفان حق المواطن وحق الوطن.. ويجب أن نراجع أنفسنا فى مسألة السكن، لأنها تهدد الحياة الاجتماعية لأغلبية المصريين، وتجعل فئات معينة تشترى شقة واثنتين وتجعل آخرين بلا مأوى، فى ظل ارتفاع الأسعار، من أول أسعار الأراضى إلى أسعار مواد البناء.. فقد سمعت من الكفراوى نفسه، أنه لا يصح بيع سعر طن الأسمنت بأزيد من 100 جنيه للطن فهو من تراب المحاجر، وكان أيام الكفراوى يباع بأربعين جنيهاً.. نحسبها الآن بمبلغ وقدره فماذا حدث؟.. وكيف جاء هذا السعر للحديد والأسمنت؟.. وكيف نحسب تكلفة بناء وحدة سكنية؟!
وأخيرا، بالتأكيد فإن حسابات الدولة لابد أن تختلف عن حسابات القطاع الخاص، فالدولة لا تبيع وهى تتربح وإنما تحافظ على التوازن السعرى فى السوق!