بقلم : محمد أمين
تهل علينا روائح الحج هذه الأيام.. وأول مرة أذهب إلى عمرة كانت فى عام ١٩٩٩.. ذهبت ومعى ٥ آلاف جنيه أولًا عن آخر.. كانت تكفى لعمرة وشراء بعض الهدايا.. أديت العمرة وقضيت ثلاثة أيام فى مكة والمدينة كانت كلمح البصر.. دعوت ربى أن يكملها بالحج.. فى العام التالى جاءتنى دعوة للحج.. أذكر أننى ذهبت من ضمن الزيارات إلى مسجد قباء.. صلاة واحدة فى مسجد قباء تعدل ثواب عمرة كاملة!
هو أول مسجد أسسه المسلمون فى المدينة المنورة، بعد هجرة النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، من مكة إلى المدينة.. وفى الحديث الصحيح، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة، كان له أجر عمرة»!
يتوافد الآلاف من الحجاج والزوار إلى مسجد قباء خلال وجودهم فى المدينة المنورة، طلبًا لهذا الفضل العظيم.. أسس النبى الكريم المسجد بنفسه عند وصوله إلى المدينة، وتحديدًا فى منطقة قباء، وهى ديار بنى عمرو بن عوف، وقد سُمى المسجد نسبةً إلى البئر المعروفة فى المنطقة، والتى كانت تُعرف باسم «قباء».
لم يقتصر بناء المسجد على النبى فحسب، بل حظى باهتمام خلفائه الراشدين من بعده، فقام الخليفة عثمان بن عفان، رضى الله عنه، بتجديده، وتبعه الخليفة عمر بن عبدالعزيز فى عهد الوليد بن عبدالملك، مما يعكس أهمية هذا المسجد فى التاريخ الإسلامى!
شهد مسجد قباء عدة توسعات عبر العصور، وفى عام ١٤٤٣ هـ، ٢٠٢٢م، أطلق الأمير محمد بن سلمان أكبر توسعة فى تاريخ مسجد قباء، ضمن مشروع يحمل اسم الملك سلمان بن عبدالعزيز، بهدف رفع المساحة الإجمالية إلى ٥٠ ألف متر مربع، واستيعاب ما يصل إلى ٦٦ ألف مصلٍ، وتطوير المنطقة المحيطة بالمسجد بشكل شامل.. يتميز مسجد قباء بتصميمه الفريد، فهو مستطيل الشكل ويضم فناءً داخليًا تتوزع حوله المداخل، إضافة إلى تخصيص جزء من المسجد للنساء مع مداخل مستقلة ودورين لاستيعاب أكثر من ٧٠٠٠ مصلية!
ومسجد قباء ليس مجرد مبنى أثرى أو معلم تاريخى فحسب، بل هو شاهد حى على أولى لحظات تأسيس المجتمع الإسلامى، ومكان يتنفس التاريخ والروحانية فى آنٍ معًا، وفى كل ركن من أركانه، تتردد ذكرى النبى الكريم وصحابته الأجلاء، مما يجعله مقصدًا لا غنى عنه لكل مسلم زائر للمدينة المنورة!
وأخيرًا، أحن إلى زيارة المسجد النبوى ومسجد قباء وزيارة البيت الحرام.. وأتطلع إلى الزيارة، خاصة أن الشوق قد استبد بى، بعد غياب خمس سنوات من آخر عمرة، وأدعو الله أن يوفقنى للزيارة والجلوس بين يدى النبى المصطفى، والدعاء للأمة الإسلامية فى رحابه الكريم!.