بقلم : محمد أمين
لابد لمن يدرس تاريخ الصحافة أن يدرس قصة حياة عبدالله النديم.. قرأت قصة حياته وتأثرت به جدًا، وهو واحد من أدباء مصر وشعرائها.. وهو خطيب الثورة العرابية.. ولد عبدالله النديم فى الشرقية عام 1261 هـ.. شغل بعض الوظائف، وأنشأ فيها الجمعية الخيرية الإسلامية، وكتب مقالات كثيرة فى جريدتى المحروسة، والعصر الجديد، ثم أصدر جريدة «التنكيت والتبكيت» مدة، واستعاض عنها بجريدة سماها اللطائف أعلن بها جهاده الوطنى!.
وحدثت فى أيامه الثورة العرابية، فكان أحد كبار خطبائها، فطلبته حكومة مصر. استتر عشر سنين فى مدن مصر، ثم قبض عليه سنة 1309 هـ فحبس وأطلق على أن يخرج من مصر، فبرحها إلى فلسطين وأقام فى يافا!.
وسمح له بالعودة إلى بلاده فعاد واستوطن القاهرة، وأنشأ مجلة «الأستاذ» سنة 1310 هـ ونفاه الإنجليز ثانية، فخرج إلى يافا، ثم إلى الأستانة فاستخدم فى ديوان المعارف مفتشًا للمطبوعات فى الباب العالى. وله كتب منها: الساق على الساق فى مكابدة المشاق، كان ويكون، النحلة فى الرحلة، والمترادفات. توفى بالأستانة عام (1314 هـ/1896)!.
ألّف أكثر من 7 آلاف بيت شعر، وروايتين. أشهر كتبه الاحتفاء فى الاختفاء، اللآلئ والدرر فى فواتح السور، والبديع فى مدح الشفيع، وفى المترادفات وللأسف لم يصلنا منها إلا مقتطفات ويرجع هذا لسببن: الأول: فترات الهروب والنفى والملاحقات الأمنية التى أصبحت فيها كتابات النديم بمثابة منشورات سرية ثورية يتناقلها البسطاء والأحرار فى كل مصر.. وتعرضت لها الدولة بالرصد والمنع والحرق!.. الثانى: أنه فى آخر حياته طلب من أصدقائه ما عندهم من كتبه (لأنه كان يعطيهم كتبه لمن يطلبها من أصدقائه) ليحرقها؛ لأنه وجد فيها هجاءً كثيرًا وتجريحًا فى بعض الشخصيات!.
عبدالله النديم الذى ولد بقرية الطيبة بمحافظة الشرقية سنة 1845م ونشأ وتربى بالإسكندرية بعد انتقال والده الذى كان يعمل نجارًا للعمل بترسانة الإسكندرية. تم نفيه إلى الأستانة 1893م وتم منعه من الكتابة ولكنه اصطدم بأحد أفراد حاشية السلطان عبدالحميد ويسمى أبا الهدى الصيادى مستشار السلطان وكان يسميه أبا الضلال وكتب فيه كتاب (المسامير)، أظهر الشيطان شخصية مهزومة أمام أبو الضلال فى مقدمه و9 مسامير فكان كتابه أحد نفائس فن الهجاء فى التاريخ العربي!
وفى إقامته الإجبارية بتركيا تعطّلت مواهبه وتوقفت، وسكت فجأة عمّا كان يطالب به الأدباتّى الزجّال المعارض، ووجد فى الأفغانى عزاء له وسلوةً وفى الأمسيات. كان الأستاذ والتلميذ يلتقيان تحت أشجار الحدائق التى خصصها عبدالحميد لهما، يتذكران أيّام النضال وأحداث الثورة العرابية!
وعندما زار الخديو عباس حلمى الثانى الأستانة طلب منه العودة فأجيب طلبه سنة 1895، وفعلًا قفز إلى الباخرة يغمر قلبه الحنين إلى وطنه، ولكن جواسيس عبدالحميد أبرقوا على الفور إليه، فأوقفت الباخرة.. وتعثرت عودته لوطنه وأصابه المرض وتوفى وحيدًا غريبًا عام 1896 دون أن يترك زوجًا أو ولدًا أو حطامًا، كل ما تركه سيرة عطرة وحياة حافلة!.