المجتمعات العربية وتحدي التعويل على الذات

المجتمعات العربية وتحدي التعويل على الذات

المجتمعات العربية وتحدي التعويل على الذات

 العرب اليوم -

المجتمعات العربية وتحدي التعويل على الذات

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

كل العالم اليوم في لحظة خاصة جداً وتتميز بالغموض المكثف. فالعالم بصدد التحول والتغيير ولكن من الصعب تحديد مآل هذه التحولات.
من المهم ملاحظة أن جائحة «كوفيد 19» من القوة بمكان إلى درجة أن الذين قالوا وهم في أوج الجائحة إن العالم بعد «كورونا» ليس هو نفسه قبله، لم يكن كلامهم على محمل التلاعب بالكلام أو الفكر الواهن.
بالفعل هناك مخاض وهناك غموض وهناك صعوبات، إلا أن كل ذلك تنتشر منه بعض الأضواء الخافتة، تبين لنا أن هناك حقائق بصدد التشكل وإعادة الصياغة مفادها أن النقطة الأكثر وضوحاً في كل الغموض الدولي اليوم هي أنه لا مفر من التعويل على الذات ومن أن تخوض كل دولة من دولنا اليوم غمار الامتحان والبناء مهما كان صعباً وشاقاً وعديم الموارد.
أولاً يجب ألا يذهب في أذهاننا أن الخطاب الدولي حول التضامن والتعاون ينطبق على الجميع، فالعالم لا يتضامن إلا مع من يعوّل على نفسه ويشق طريقه ويحتاج إلى الدعم فقط.
بل إنه في اللحظة التي تبرهن فيها المجتمعات أنها مستعدة للتشمير عن السواعد وبذل الجهد والعرق والأفكار والاجتهاد من أجل التغيير الاجتماعي وإيجاد الحلول الاقتصادية والاجتماعية المواتية، هي تلك اللحظة التي تكون فيها الدولة قد نهجت طريق التعويل على الذات.
إنّها الحقيقة: لا مفر من التعويل على الذات. المجتمعات تبني ذواتها بنفسها وتضع الأساس ثم يمد لك العالم يده بعد أن تكون قد خضت مخاضات التعافي والبناء بمفردك.
قد يبدو هذا الأمر محبطاً في الظاهر ولكنه واقعي، وهذا في حد ذاته يكفي لاعتماده كفلسفة وجود.
طبعاً التعويل على الذات يستوجب وحدة اجتماعية وتضامناً اجتماعياً يرصد المتوفر ومقومات العيش الذاتية ويقارن الموجود واقعياً بما يمكن تحقيقه لو تم توخي الحوكمة وحسن التصرف في جميع أنواع الموارد البشرية والطبيعية...
وفي الحقيقة تمتلك مجتمعاتنا من الذكاء ومن رأس المال البشري الشبابي ومن الحجم الديموغرافي الكبير من الأطفال ما يجعلها مجتمعات ذات أفق ومستقبل وأجيال قادمة. وهي مسألة مهمة جداً لأن هناك بلداناً متقدمة وذات رفاهية ولكنها تعاني من التهرم السكاني الحاد ومن عزوف عن الإنجاب. وعند الحديث عن مجتمع فنحن نتحدث عن الغد وعن الأجيال، وهي ثروة لو عرفنا كيف نزنها ونقيمها.
من ناحية ثانية من الخطأ النظر إلى المنجز في العقود الأخيرة في البلدان العربية على كونه سلبياً، فيكفي الأجيال والملايين من أصحاب الشهادات اليوم، وتكفي النخب العالية الكفاءة في مجالات الطب والعلم والعلوم الإنسانية والاجتماعية والهندسة، فكل هذا هو نتاج استثمار كبير في رأس المال البشري وهو ما سيجعل اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، من عملية التعويل على الذات ممكنة ومضمونة وناجحة أيضاً.
المؤكد أنه بعد عقود من الاستقلال فإن كل البلدان العربية ومهما كان وضعها قادرة على أن تتبنى خيار التعويل على الذات أو هي بصدد تحقيق كفاءة التعويل على الذات، باعتبار أن خاصية التعويل على الذات إنما تمثل في حد ذاتها نتيجة لمسار كامل من مشاريع بناء دول الاستقلالات العربية، أي إنها كنتيجة إيجابية تضاف إلى نقاط قوة الدولة. فالتعويل على الذات هو في حد ذاته نتاج اشتغال على الذات.
أيضاً أن تكون مجتمعاتنا قادرة على التعويل على الذات فهذا يعني أنها تمتلك قدرة التطوير، وأن لها من مقومات الصمود والتأقلم واللحاق بالركب. لذلك فإن الأهم من كل أشكال الدعم الخارجي الممكنة هو أن نكون بالفعل نمتلك القدرة على التعويل على الذات، وأن نمتلك الحد الأدنى من المنجز القابل للبناء عليه وتنميته. ولعله من المهم الانتباه إلى أن كل ما ننجزه في مسار التعويل على الذات إنما هو ينضوي ضمن المكاسب ويُحسب فيما تم خلقه في مجال الثروة، في حين أن الدعم قد يكون في جزء منه عبئاً.
لا يفوتنا التركيز على نقطة نعدّها مفصلية، وهي أنه كلما تقدمنا أكثر في طريق التعويل على الذات وقطع الخطوات المهمة كبرت قدرتنا على التفاوض وعلى فرض أولوياتنا ومقاربتنا في علاقتنا بالآخر قوةً وثقافةً وموقفاً وخيارات.
كل النجاحات الفردية هي قصص تعويل على الذات. وما ينطبق على الفرد ينطبق على المجتمعات والدول. بل إن قصة تعويل المجتمع على ذاته الجمعية الغنية لا يمكن إلا أن يحتفي بها العالم حاضراً وفي التاريخ الإنساني.
المجتمعات العربية تمتلك كل مقومات التعويل على الذات... فقط شجاعة أكبر.

arabstoday

GMT 18:42 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

المخادعون

GMT 18:40 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

«النتيتة» والصواريخ وفيتامينات الشرح

GMT 19:29 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

المعايير الأمريكية بين غزة والسودان

GMT 19:11 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

العقاد يبيع مكتبته

GMT 19:05 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

درس «خصوصي»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجتمعات العربية وتحدي التعويل على الذات المجتمعات العربية وتحدي التعويل على الذات



بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
 العرب اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 14:30 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

إسرائيل تعتقل 40 فلسطينيا في الضفة الغربية

GMT 18:04 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 5.6 يضرب ولاية توكات شمال تركيا

GMT 02:31 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

سماع دوى انفجارات في أصفهان وسط إيران

GMT 06:26 2024 الجمعة ,19 إبريل / نيسان

تحطم طائرة في إحدى أقاليم جنوب روسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab