بقلم : دكتور زاهي حواس
الشيخة بدور هى ابنة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى عضو المجلس الأعلى للإمارات العربية المتحدة وحاكم إمارة الشارقة. كان من الممكن أن تختار لنفسها طريقاً سهلاً فى الحياة وتقوم فقط بما يجب عليها من مهام وواجبات نحو أسرتها كزوجة وأم ونحو عائلتها الحاكمة فى إمارة الشارقة وأخيراً نحو مجتمعها بما يجب على أى فرد من البيت المالك القيام به من دور مجتمعى! لكن الشيخة بدور القاسمى لم تكتف بالقيام تلك المهام وضربت مثالاً نفتخر به كنموذج للمرأة العربية القادرة على التأثير وإحداث الفارق فى مجتمعها. وقد لا يعلم الكثيرون أن الشيخة بدور أثرية درست علم الآثار والأنثروبولوجيا فى جامعة كامبريدج وحصلت منها على درجة البكالوريوس، بعدها حصلت على درجة الماجستير فى الأنثروبولوجى من لندن كوليدج، وتستعد حالياً لنيل درجة الدكتوراه فى الآثار.
عشق الشيخة بدور القاسمى للآثار والتاريخ ليس له حدود، تحلم بأن تصبح المواقع الأثرية فى دولة الإمارات العربية المتحدة مقاصد سياحية على خارطة السياحة العالمية، وأن يتم الكشف عن تاريخ وآثار الشارقة من خلال منظومة علمية مستدامة.
تعرف الشيخة بدور القاسمى الكثير عن تاريخ وآثار مصر ومواقعها الأثرية وقد حكت لى أنها لا يمكن أن تنسى رحلتها الأخيرة لمنطقة سقارة الأثرية وزيارتها لموقع حفائر البعثة المصرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار ونزولها إلى بئر عميقة بالحبال، لتفاجأ بوجود حجرات دفن تعود لآلاف السنين مليئة بالمومياوات والتوابيت. عشق الشيخة بدور للثقافة والتعليم واهتمامها بكل قضايا التعليم خاصة فى عصر الذكاء الاصطناعى جعلها تقوم بتطوير المناهج فى الجامعة الأمريكية بالشارقة والتى ترأسها وترأس مجلس أمنائها.
وقد قمت بإلقاء محاضرة بالجامعة وشاهدت بنفسى ما أصبحت عليه الآن وحجم التطور الذى أحدثته بالمنظومة الدراسية والمناهج العلمية التى تدرس بالجامعة.
ولأن جزءا من المشكلات التى تواجه نشر الثقافة والتعليم ترتبط بمشكلات النشر فقد قامت الشيخة بدور بتأسيس مجموعة «كلمات» للنشر فى 2007، والتى تحولت إلى دار نشر رائدة فى نشر أدب الطفل باللغة العربية، وقد أسست «الجائزة الدولية لكتاب الطفل العربى» لتشجيع الأدباء والموهوبين فى مجال الكتابة للطفل. وتشغل الشيخة بدور القاسمى أيضاً منصب رئيسة هيئة الشارقة للكتاب والتى تشرف على المعرض العالمى السنوى للكتاب فى الشارقة. وقد قامت بتأسيس شبكة عالمية لدعم النساء فى مجال النشر. وقد أثمرت مساهماتها ودورها فى نشر الثقافة ودعم الكتاب على حصول إمارة الشارقة على لقب «العاصمة العالمية للكتاب» وذلك فى عام 2019 من منظمة اليونسكو. ومن خلال إيمانها بأن الثقافة والعلم هما السبيل الوحيد للتغيير فى أى مجتمع، لذلك اهتمت الشيخة بدور بالجانب التطبيقى للثقافة والعلم فى إمارة الشارقة من خلال رئاستها لمجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار، والذى يقدم الدعم للشركات الناشئة خاصة فى مجال التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من تعدد مهام ومسئوليات الشيخة بدور القاسمى فجميعها يصب فى منظومة واحدة تهدف إلى تحويل إمارة الشارقة إلى مركز ثقافى وعلمى واقتصادى مستدام من خلال الربط بين قطاعات الثقافة والتعليم وتطبيقاتها والاستثمار حيث ترأس أيضاً هيئة الشارقة للاستثمار.
كانت زيارتى الأخيرة لإمارة الشارقة فى بداية شهر نوفمبر الماضى بدعوة من الشيخة بدور القاسمى للمشاركة بندوة ضمن فعاليات الدورة الرابعة والأربعين لمعرض الشارقة للكتاب والذى كان موضوع مقالنا السابق فى نفس هذا المكان. وهناك تعرفت عن قرب على إنجازات الشيخة بدور القاسمى والتى نالت عنها العديد من الجوائز منها درجة الأستاذية الشرفية من جامعة ليستر البريطانية لإسهاماتها فى مجالات التعليم والنشر، وبالمناسبة فقد تم تعيينها فى أكتوبر الماضى كسفيرة للنوايا الحسنة لليونسكو لما قدمته من مشروعات خاصة لدعم القراءة والكتاب وإتاحة المعرفة لكل فئات المجتمع خاصة الطبقات الأكثر احتياجاً إلى الدعم.
وقد جمعتنى هناك أكثر من مناسبة بالشيخة بدور، أثناء فعاليات معرض الكتاب، وكذلك فى الجامعة الأمريكية حيث ألقيت محاضرة هناك. وقد دار بيننا الحديث حول ما تقوم به وحلمها الذى تسعى لتحقيقه وهو جعل العلم والثقافة كالماء والهواء كما كان عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين يقول دائماً. وتؤمن الشيخة بدور أن العقل العربى مبدع وخلاق لو توافرت له الظروف المناسبة وبيئة تشجع على الابتكار والأبداع، وأن علماء العرب قادرون على تحديد شكل المستقبل مثلما فعلوا منذ قرون ماضية.
وقد تحدثت معى عن قصتها مع الآثار المصرية وحلمها بتأليف كتاب عن الفراعنة وإنجازاتهم الحضارية تعكس وجهة نظر أثرية عربية تعرف عن الممارسات والعادات المتأصلة فى الشرق منذ القدم والى الآن. لقد شجعنى معرفتى عن قرب بالشيخة بدور القاسمى واهتماماتها الأثرية على دراسة مشروع مشترك مع إمارة الشارقة ومؤسسة زاهى حواس للآثار والتراث فى مجال نشر الثقافة الأثرية بين الأطفال فى العالم العربى.