إذَا لمْ تكنْ ذئباً أَكَلتْكَ الذّئَاب

إذَا لمْ تكنْ ذئباً أَكَلتْكَ الذّئَاب

إذَا لمْ تكنْ ذئباً أَكَلتْكَ الذّئَاب

 العرب اليوم -

إذَا لمْ تكنْ ذئباً أَكَلتْكَ الذّئَاب

بقلم : تركي الدخيل

كانَ هارونُ الرشيدُ يُحِبُّ الأدبَ، وَيَستحسِنُ الشّعرَ، وَيجالِسُ الشُّعراءَ وَالأدَباءَ.

وَمِن ذلكَ كَانَتْ صِلتُهُ بالمُفَضَّل الضَبِّيّ، رَاويةِ الأدَبِ والأخبَار، التي تَرجعُ لمَا قبلَ هَارونَ، فقد لزمَ الضَبِّيُّ، والدَه، الخليفةَ المهديَّ، وصنعَ كتابَ الأشْعارِ المُختَارةِ المُسَمَّاةِ «المفضليَّات»، عندمَا كَانَ ولِيّـاً لعهدِ المَنصور.

و«المُفَضليَّات» أولُ كِتابٍ فِي بابِ الاختيَاراتِ الشّعريَّةِ، وَأضافت لانفرادِ الأولوية، روعةَ الاختيارات، فلذلكَ حافظَ هذَا الكِتابُ علَى قيمتِهِ منذُ تصنيفِهِ قبلَ قرابةِ 1400 عامٍ، حَتَّى اليَوم.

تَتَكوَّنُ «المفضليَّاتُ» مِنْ 130 قصيدةً، مُنتقاةً بذوقٍ وَإحساسٍ وَفنٍّ، منْ رَوائِعِ الشّعرِ العَرَبِي.

ذاتَ أُمسيَّةِ أَدبٍ، قَالَ هَارونُ الرَّشِيدُ للمُفَضَّل: مَا أحسن مَا قيلَ في الذّئبِ؟ وَلَكَ هذَا الخَاتمُ الذِي فِي يَدِي، وَشِراؤُهُ ألفٌ وستمئةِ دِينارٍ.

حدَّدَ الرَّشيدُ الجائزةَ، وكشفَ عن قيمتِها، ليحفّزَ المُفضلَ عَلَى اسْتِحْضَارِ خَيرِ إجَابَةٍ...

وَلا يَحتارُ راويةُ الشّعرِ، وَحافظُ أيَّامِ العَرَبِ، وَأخْبَارِهمْ وأشْعارِهمْ، فِي استخدَامِ ذَاكرتِهِ التِي تُشبهُ مُحرّكَ بَحْثٍ عَتِيدٍ يُوفّرُ لَهُ الجَوَابَ الأَمثَلَ.

فاسْتعانَ بِبيتٍ شِعرِ الشَّاعرِ المُخضرَمِ، حُمَيد بن ثَوْرٍ، وَلَا أَحدٌ يُقارِبُ وَصْفَ ابنِ ثَورٍ.

يَعرفُ العَربيُّ الذّئبَ جَيّداً، وَبينهمَا عَلاقةٌ قلقةٌ، بلْ مُضطَربَةٌ أيضاً.

قَسْوةُ الصَّحرَاءِ كَفيلةٌ بِصِناعةِ عَلَاقاتٍ مُضْطَربةٍ. فهَي تفرضُ علَى سُكَّانِها قانونًا يشبهُ المَثلَ القَائلَ: «إنْ لَمْ تكنْ ذِئباً، أكَلتكَ الذّئابُ».

يَعرفُ العَربيُّ أنَّ الذّئبَ من أخبثِ الحَيواناتِ فِي هَذهِ الصَّحرَاءِ، وَلطَالَمَا دَفعَ لِهذَا الخُبثِ، ثَمنًا غَالياً منْ مَواشِيهِ، إنْ لَمْ يَدفعْ الثَّمنَ منْ جِنسِه!

وَمِنْ خُبثِ الذّئبِ أنَّه إذَا لمْ يتمكَّنْ من الفَتكِ بِفريستِهِ، فإنَّه يبدأ بِالعُواءِ بِأعلَى صوتِهِ فِي لَحنٍ يبدُو فيهِ التَّحسّرُ وَالتَّألُّمُ علَى عدمِ تَحقيقِ غَايتِه! هَذَا العُواءُ ليسَ الهدفُ منه إعلانَ الذّئبِ خَسَارتَه في المَعركةِ، بلْ علَى العَكسِ، فهوَ يُصدرُ نِدَاءاتٍ عاجلةً بأعلَى صَوتِهِ لِلذّئَابِ الأخْرَى يَدعُوهَا لِتقدّمَ لهُ مساندةً فوريةً. وبِمجرَّدِ أَنْ يستمعَ باقِي الذّئابِ عواءَ صَديقِهمْ، فَإنَّهمْ يَتوجّهونَ بأسرعِ مَا يمكنهم تجاه مصدر الصوت، وخلالَ دقائقَ، يتحوَّل فريقُ الذئبِ من ذئبٍ منفردٍ إلى قطيعٍ من الذئابِ حضرتْ للفزعةِ، وسَرعانَ ما سَيهجمُ فريقُ الذئابِ بشكلٍ جَماعيّ، لا يُمَكِّن الطرف الضَّحية من التَّفاعلِ معَ هجماتٍ متعددةٍ، لا هجوم ذئبٍ وَاحد!

وَكمَا يحاولُ الذّئبُ أن يفتكَ بكلِّ فريسةٍ وبأيّ فرصةٍ مُمكنةٍ، فإنَّ الذئبَ يعرفُ أَنَّ هناك خصوماً يريدونَ أن يردُّوا لهُ بعضَ الجِراحِ الغَائرةِ التِي سبَّبها لهمْ، ولذلكَ فَالعَربِي يردّدُ أسطورةً صحراويةً، تقولُ: إنَّ الذّئبَ لِشدَّةِ حذرِه، وكَمالِ استعدادِه، وبالغِ جاهزيتِه، ينامُ مغمضاً إحدَى عينيهِ، وَفاتحاً الأخرَى، حتَّى لَا يَستغلَّ خصمُه نَومَه لِلفتكِ به...

وبيتُ القَصيدِ، ينطلقُ من هذه الخَلفيَّة. قَالَ المُفضّلُ ردًا عَلَى الرَّشِيد:

أَفْضَلُ مَا قيلَ فِي الذّئبِ، قولُ الشَّاعرِ:

يَنَامُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهِ وَيَتَّقِي

بِأُخْرَى الْمَنَايَا فَهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ

قَالَ الرَّشيدُ: ما ألقيَ هذَا علَى لسانِكَ، إلَّا لِذهابِ الخَاتمِ، وألقَى بهِ إلَى المُفضل.

زوجُ الرَّشيدِ، أمُّ جعفرَ، زبيدةُ، كانتْ تشهدُ هذا الحِوارَ. فدفعتْ للمفضَّلِ 1600 دينارٍ فوراً واشترتِ الخاتمَ منه، وقدَّمتهُ لزوجِهَا الرَّشيد، مبررةً ذلكَ بمَا كانتْ تراهُ من إعجَابِ الرَّشيدِ بالخَاتم.

لَقدْ أرَادتْ زبيدةُ، السَّخيةُ التي بلغَ جودُهَا أنْ وَفَّرتْ الماءَ للحجَّاجِ والمعتمرينَ والطائفينَ في مكةَ، بل بلغَ سخاؤُهَا أنَّهَا أمدَّتْ مكةَ المكرَّمةَ بالثَّلجِ الذِي كانَ آنذاكَ أشبهَ بِالمستحِيلاتِ.

وليسَ الرَّشيدُ بأقلَ سخاءً من زوجِه، فألقَى الخَاتمَ إلَى الضَبِّي ثانيةً، وَقَالَ: خُذهُ يَا مُفضّلُ، وخُذِ الدَّنانيرَ، فمَا كُنَّا نَهَبُ هِبةً، وَنَرْجِعُ فِيهَا...

arabstoday

GMT 10:48 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الداعية «قفة» وأبناؤه

GMT 10:19 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عرش ترامب!

GMT 10:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

التعليم وإرادة الإصلاح (1)

GMT 10:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكاية الميلاد التي تجمع ولا تفرّق

GMT 10:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظهيرُ الشعبي للمايسترو «محمد صبحي»!

GMT 10:07 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الكرة والحداثة

GMT 10:03 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

السن.. والعمر !

GMT 10:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حنظلة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذَا لمْ تكنْ ذئباً أَكَلتْكَ الذّئَاب إذَا لمْ تكنْ ذئباً أَكَلتْكَ الذّئَاب



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:09 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 العرب اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 15:14 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

جوزيف عون يؤكد إجراء الانتخابات استحقاق دستوري

GMT 10:57 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارات جوية سعودية تستهدف قوات المجلس الانتقالي في حضرموت

GMT 09:32 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

المركزي المصري يخفض أسعار الفائدة 1% في آخر اجتماعات 2025

GMT 08:30 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

غارتان إسرائيليتان تستهدفان خان يونس جنوبي قطاع غزة

GMT 19:02 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

عراقجي خصوم إيران يسعون لإثارة السخط عبر الضغط المعيشي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab