أَخَلِيفَةٌ وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ

أَخَلِيفَةٌ وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ؟!

أَخَلِيفَةٌ وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ؟!

 العرب اليوم -

أَخَلِيفَةٌ وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ

بقلم : تركي الدخيل

رَأَتْ جَارِيَةٌ لِأَبِي جَعفَرٍ الْمَنْصُورِ قَمِيصَهُ مَرْقُوعًا، فَقَالَتْ لَهُ: وَيْحَكَ، أَخَلِيفَةٌ وَقَمِيصُهُ مَرْقُوعٌ؟!

فَقَالَ: وَيحَكِ، أَمَا سَمِعْتِ مَا قَالَ ابنُ هَرْمَةَ؟!

وَأَنْشَدَ قَائِلاً:

قَدْ يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى وَرِدَاؤُهُ

خَلَقٌ وَجَيبُ قَمِيْصِهِ مَرْقُوعُ

حِوَارُ الخَلِيفَةِ الْمَنْصُورِ وَجَارِيَتِهِ يُجَسِّدُ قَنَاعَةَ أَبِي جَعْفَرٍ فِي قِيمَةِ الشَّرَفِ وَمَعْنَاهُ، وَهُوَ مَا أَظْهَرَهُ اسْتِشْهَادُهُ بِبَيْتِ ابْنِ هَرْمَةَ، فَالقِيَمُ الحَقِيقِيَّةُ لَا تُقَاسُ بِالْأَزْيَاءِ وَالْأَلْبِسَةِ.

إِنَّ انْدِفَاعَ عَامَّةِ النَّاسِ بِهَوَسٍ ظَاهِرٍ إِلَى العَلَامَاتِ التِّجَارِيَّةِ، فِيهِ خَطَرٌ أَنْ يَكُونُوا يَبْحَثُونَ عَنْ تَقْدِيمِ أَنْفُسِهِمْ، لَا بِشَخْصِيَّاتِهِمْ وَأَفْكَارِهِمْ، بَلْ بِمَا يَرْتَدُونَ!

وَمَكْمَنُ الخَطَرِ فِي أَنَّ ذَلِكَ غَالِباً يَتَشَكَّلُ بِدَافِعِ ضَعْفِ الْقَنَاعَةِ بِمَا فِي دَوَاخِلِهِمْ، وَمُحَاوَلَةِ اكْتِسَابِ تَقْيِيمِهِمْ بِمُنْتَجِ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ، لَا بِحَقِيقَةِ مُكَوِّنِهِمْ الدَّاخِلِيِّ!

قَالَتِ العَرَبُ: لَا يَسُودُ الرَّجُلُ حَتَّى لَا يُبَالِيَ فِي أَيِّ ثَوْبَيْهِ ظَهَرَ.

وَالْمَقْصِدُ أَنَّ السِّيَادَةَ بَيْنَ النَّاسِ تَتَحَقَّقُ لِمَنْ لَا يُعْنِيهِ مَلْبَسُهُ كَمَا تُعْنِيهِ مَعَالِي الْأُمُورِ.

وَقَائِلُ بَيْتِ القَصِيْدِ هُوَ ابنُ هَرْمَةَ (ت 176هـ)، شَاعِرٌ فَحْلٌ مِن مُخَضْرَمِي الدولتين الأموية والعباسية. قالَ الأَصمَعِيُّ: «خُتِمَ الشِعرُ بابن هَرْمَةَ، فَإِنَّهُ مَدَحَ ملوكَ بنِي مَروانَ، وبقيَ إلى آخرِ أيَّامِ المَنصور». والحَقُ أنَّهُ بقِيَ حَتَّى خِلَافَة هارون الرشيد.

وَقَوْلُهُ: «الفَتَى» في البَيْتِ، يُرَادُ بِها الرَّجُلُ المُكتَمِلُ الرُّجُوْلَةِ.

قَالَ ابنُ قُتَيْبَةَ:

«لَيْسَ الفَتَى بِمَعْنَى الشَّابِّ والحَدَثِ، إِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى الْكَامِلِ الجَزْلِ مِنَ الرِّجَالِ، يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

إِنَّ الفَتَى حَمَّالُ كُلِّ مُلِمَّةٍ

لَيْسَ الفَتَى بِمُنَعَّمِ الشُّبَّانِ

قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:

قَد يُدْرِكُ الشَّرَفَ الفَتَى ورِداؤُه

خَلَقٌ وجَيْبُ قَمِيصِه مَرْقُوعُ.

وَقَولُهُ «خَلَقٌ»: أَي مُهتَرِئ بَالٍ مُقَطَّعٌ.

وَ«مَرْقُوعُ»: مُلحَمٌ خَرقُهُ بِرقْعةٍ. والرُّقْعَةُ: مَا يُرقَعُ بِهِ الثَّوبُ، جَمعُهَا: رِقاعٌ، بالكَسْر، وَفِي الأساس: «الصاحبُ كالرُّقْعَةِ فِي الثَّوبِ، فاطْلُبْه مُشاكِلًا». قالَ الزبيدِي فِي «التَّاجِ»: «وسَمِعْتُ الأميرَ الصالحَ عَليّ أَفَنْدِي وكيلَ طرابُلُسَ الغَربِ يَقُولُ: الصاحِبُ كالرُّقْعَةِ فِي الثَّوبِ إِن لَمْ تكنْ مِنْهُ شانَتْه».

وفِي البَابِ، يَقولُ البُحْتُرِيّ:

وَلَيْسَ العُلَى دُرَّاعَةً وَرِدَاءَهَا

وَلَا جُبَّةً مَوشِيَّةً وَقَمِيْصَهَا

ولايزال كثير من أَهلَنا فِي السعودية والإمارات ومُورِيتانّيَا مَازالُوا يَرْتَدُونَ الدّرَاعَةَ وَيُسَمُّونَهَا بِهَذَا الأسِّم.

ولِأَبِي الطَّيِّبِ قوله:

لَا يُعْجِبَنَّ مَضِيْماً حُسْنُ بَزَّتِهِ

وَهَلْ يَرُوْقُ دَفِيناً جَوْدَةُ الكَفَنِ

إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْءِ قِيمَةٌ إِلَّا مَا يَلْبَسُ وَيَرْتَدِي، فَإِنَّهُ كَقِيمَةِ الْكَفَنِ الْفَاخِرِ لِلدَّفِينِ، لَا يَنْفَعُهُ وَلَا يُغَيِّرُ حَالَهُ، كَمَا قَالَ الْمُتَنَبِّي.

بَيْتُ ابْنِ هَرْمَةَ، لَيْسَ مُجَرَّدَ حِكْمَةٍ عَابِرَةٍ، بَلْ قَاعِدَةٌ خَالِدَةٌ، فَقِيمَةُ الْإِنْسَانِ تُقَاسُ بِعَمَلِهِ وَمَعْدِنِهِ وَجَوْهَرِ شَخْصِيَّتِهِ، لَا بِثَوْبِهِ!

لَيْسَ الشَّرَفُ حُلَّةً تُرْتَدَى، وَلَا رِدَاءً يُلْبَسُ وَيُخْلَعُ، بَلْ هُوَ شَيْءٌ لَا يُرَى، لَكِنَّهُ يُشِعُّ مِنْ أَفْعَالٍ جَلِيلَةٍ جَمِيلَةٍ، يَذْكُرُهَا التَّارِيخُ جَيِّداً، ويُشِيدُ بها.

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أَخَلِيفَةٌ وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ أَخَلِيفَةٌ وَقَمِيْصُهُ مَرْقُوْعٌ



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:48 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان
 العرب اليوم - أفغانستان تؤكد فشل جهود السلام مع باكستان

GMT 21:22 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي
 العرب اليوم - جدل واسع في المغرب بسبب التكريمات المتكررة لليلى علوي

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

سجن إلهام الفضالة بسبب تسجيل صوتي

GMT 01:07 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دواء جديد يحمي مرضى السكري من تلف الكلى

GMT 04:38 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يتسلم جثة رهينة جديد من قطاع غزة

GMT 14:40 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

"غوغل" تتطلع للفضاء لبناء مراكز بيانات للذكاء الاصطناعي

GMT 05:52 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

انقطاع الكهرباء في أوكرانيا بعد هجوم روسي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab