بقلم : سمير عطا الله
دخل الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي سجن «لا سانتيه» في باريس لتمضية حكم من 5 سنوات بتهمة تلقي الأموال من العقيد معمر القذافي لتمويل معركته الرئاسية عام 2007. ساركوزي أول رئيس فرنسي، أو أوروبي سابق، يدخل السجن القضائي. وسوف يُعَد له «جناح»، أو غرفة، أو زنزانة في سجن شديد الحراسة يضم عتاة المدانين. الفرنسيون منقسمون؛ من ناحية يثبّت القانون أن لا حصانة لأحد، ومن ناحية أخرى، كيف لرجل أمضى 6 سنوات في الإليزيه أن يمضي 5 سنين في سجن يضم كارلوس، الفنزويلي المدان بأعنف الجرائم المسلحة في باريس.
ماذا تريد القاضية التي أصدرت الحكم أن تقول؟ إن ساركوزي لم يكن خليقاً بالكرسي الذي جلس عليه شارل ديغول، وحوله إلى عرش ذهبي في تاريخ أوروبا الحديثة؟ أو أنها تذكّر الفرنسيين بأنهم انتخبوا رجلاً فاسداً، خلفاً للرجل الذي كان يدفع فاتورة الكهرباء في القصر من راتبه بعد انتهاء الدوام الرسمي في الثامنة مساء؟
في كل حال، اتخذت سيدة فرنسية هذا القرار التاريخي الصعب. وعد ساركوزي القذافي بأنه سوف يلمّع صورته في أوروبا بعد آثار «لوكربي» والطائرة الفرنسية UTA التي أُسقطت فوق أفريقيا وعليها 170 راكباً.
تلك مرحلة كان من السهل فيها إلصاق التهم بالقائد الليبي الذي يخوض حروب التحرير حول العالم، حتى في البلدان التي لم يقم بزيارتها، مثل آيرلندا الشمالية. وأرسل أبطال الحرية يقاتلون في بيروت، وتشاد وبوركينا فاسو، وسائر الأمم. وبسبب تمدد مهامه الثورية، اصطدم بالمصالح الفرنسية الاستراتيجية في أفريقيا. لذلك طار صواب الفرنسيين عندما اكتشفوا أن سياسياً في مكانة ساركوزي (وثلاثة من وزرائه) يعقد صفقة سرية ومشبوهة مع خصم معادٍ. ولم يكن ذلك التمويل «الانتخابي» الوحيد الذي أثار الفضائح في الغرب. ففي أواخر السبعينات كُشف عن أن بيلي، شقيق الرئيس جيمي كارتر، تلقى مبلغ 220 ألف دولار من القذافي. غير أن العقيد قال إن المبلغ كان قرضاً خاصاً في عملية استثمارية، وليس رشوة.
فرنسا بلد الفضائح الكبرى والعدل الكبير. وهي اليوم أمام أقسى امتحاناتها ومحنها القانونية. سوف يكون في إمكان ساركوزي استئناف الحكم. لكن من سجن «لا سانتيه»، الاسم المرعب!