شناشيل ابنة الجلبي

شناشيل ابنة الجلبي

شناشيل ابنة الجلبي

 العرب اليوم -

شناشيل ابنة الجلبي

بقلم : سمير عطا الله

عندما يُكَرّر أمامي أن العراق رحم الشعر، تتكرر في ذهني دوماً صورة بدر شاكر السياب. صورته حاملاً تحت بسمته الرضيّة، جسمه الضئيل، وأحزان الفرات، وصورة جيكور، القرية المرمية في متاهات العراق وفوضى تاريخه العظيم، وفائض الأشلاء ولوحات الشعر الملعون، ومراكب النخيل وقوافل النوق الشامخة بأحمالها، مشرئبة الأعناق، كأنها ليست محمّلة بأكثر من موال أو نسمة مفاجئة.

لشدة ما كان شاعراً وحائراً وحزيناً وعاشقاً ووحيداً، جعل السياب من جيكور قريتنا جميعاً. بل حفرها فينا أكثر مما حُفرت قرانا. وتناهت إلينا من شعره على الدوام أصوات، أو همسات، «شناشيل ابنة الجلبي».

ويوم كان العراق خناقاً وجدلاً وصخباً وزعيقاً، كنا نسمع قوافيه مثل أجراس القوافل، تذكّر النوق بأن الطريق طويل، والسكينة روعة الحياة.

كلما تاه في شعره وفي فكره، اهتدينا بجمالياته وأطربنا حداؤه ولوّعتنا أحزانه. لطالما تاه. ولطالما حمل معه شاعريته الكبرى: مرة في اليسار، مرة في اليمين، مرة في الشعر الغنائي المرسل، مرة في الشعر الحديث المتسامي نحو آفاق أبعد في الشعر، مرة منفرداً، مرة جزءاً من مجلة «شعر»، ومستقراً أخيراً في مجلة «الآداب»، المقام الأخير بعد جيكور، كما صرّح يومها في صوته المحمّل خيانات الجسد وألق النفس.

لم أقرأ شاعراً بالطريقة التي قرأت فيها مهاجر جيكور. لم يرنّ في قلبي شاعر مثله. فقد هجرت الشعر، محاولةً وعشقاً، منذ الشباب. وظل محمود درويش في نفسي. وذهبت مرحلة نزار، إلا ما قاوم منها الزوال. وبقي كل ما أطلبه في الشعر، عند هذا الساحر المهزوم مثل حظوظ الفقراء.

شاعر الباقات المغنية. أزهار برّية وكلمات شعبية ومواويل وأساطير، حاملاً معه أينما حلّ أو ترحّل، تربة الشعر الرائعة الخصبة والألوان والأنواع، يذرّها كما يذرّ سحره على اللغة، ويلوي صلابتها الهائلة بيده النحيلة الصغيرة المرتجفة مثل ليل الغرباء.

عاش رايةً مرفوعة في عالم منكسر. أذكر منه أيامه الأخيرة على سرير حديدي في مستشفى الصباح، الكويت. وأمسياته في مجلة «شعر». وكان غريباً في كل مكان، إلا في الرحم الذي وزّع الشعراء مع النخيل والماء.

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2025 السبت ,05 إبريل / نيسان

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شناشيل ابنة الجلبي شناشيل ابنة الجلبي



درّة زروق بإطلالات كاجوال مثالية في صيف 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 05:53 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

متى... «كاليدونيا» الفلسطينية؟

GMT 14:18 2025 الثلاثاء ,15 تموز / يوليو

عواصف وفيضانات مفاجئة تضرب إسبانيا

GMT 05:58 2025 الثلاثاء ,15 تموز / يوليو

انخفاض أسعار الذهب بشكل طفيف

GMT 03:01 2025 الثلاثاء ,15 تموز / يوليو

مستوطنون يقتحمون قرية برقا شرقي رام الله

GMT 04:41 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

الذهب يصعد ترقبًا لبيانات التضخم الأميركية

GMT 03:23 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

إسرائيل تجدد غاراتها على محافظة السويداء

GMT 06:02 2025 الثلاثاء ,15 تموز / يوليو

مسيرات روسية تقتل شخصين في خيرسون

GMT 02:57 2025 الثلاثاء ,15 تموز / يوليو

كردستان العراق يعلن استهداف مسيرتين لحقل نفطي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab