السياب في المخزن

السياب في المخزن

السياب في المخزن

 العرب اليوم -

السياب في المخزن

بقلم - سمير عطا الله

أمضى الكاتب العراقي نجيب المانع سنوات عدة في «الشرق الأوسط». كان مظهره هادئاً، وكتاباته فائرة، وغاضبة. وعندما لم يعثر على خصم أدبي يدخل في نقاش معه، كان يكتب إلى نفسه، ناقداً وقاسياً، باسم مستعار لا يلبث أن يكشف عنه.

نشر المانع ذكرياته في «الشرق الأوسط» تحت عنوان «عمر أكلته الحروف»، وأعادت دار «جداول» نشرها الآن مع مقدمة للأستاذ محمد عبد الله السيف. من أجمل تلك الذكريات كيف عمل المانع مع بدر شاكر السياب في شركة «نفط البصرة»:

«عملنا، بدر السياب وأنا، بعد نوالنا الشهادة العالية. هو من دار المعلمين العالية، وأنا من الحقوق، في شركة (نفط البصرة). وكنّا نعمل في أدنى درجات الوظيفة الكتابية، إذ إن الإنجليز لم يأبهوا بشهادتنا، واعتبرونا مجرد ساعين للحصول على مورد شهري. وكانت البطالة آنذاك منتشرة في كل مكان، ولا سيما ما يدعى ببطالة المثقفين، ومن ينتمِ إلى شركة النفط؛ فعليه أن ينسى تعليمه، ليتعلم فيها كيف يجهل.

كانوا يطلبون منا أن ننتظر اللوريات التي تقلنا إلى الشركة في الفجر والشمس لم تشرق بعد، فننحشر فيها لتأخذنا إلى منطقة بعيدة عن مدينة البصرة، وربما في طريقنا لوريات أخرى تحمل خرافاً، فكنت أقول: (إن الخراف على الأقل تذبح مرة واحدة. أما نحن فنذبح كل يوم).

كان عملنا، بدر وأنا، يدور في قسم المخازن، لا في المخازن نفسها، بل في الدوائر التي تنظم فيها أمور المخازن. وكنا نملأ بطاقات، لا تحصى ولا تعد، بما يرد إلى المخازن الفعلية البعيدة عنا، وبما يتم استهلاكه منها. ولكل مادة رقم تعرف به، وبطاقة خاصة.

فإطار السيارة من النوع الفلاني له رقم وبطاقة، ولكل برغي ومسمار وزيت أرقام. ومهمتنا هي أن ننقل الجداول اليومية التي ترد إلينا إلى بطاقات مبوبة تبويباً دقيقاً، ولكنه لا إنساني. لا إنساني إلى درجة هائلة بالنسبة لشاعر مثل بدر السياب، فأن يتصور المرء شاعراً، ثري الإحساس، مفعماً بالجوع للدنيا، يقضي ثماني ساعات كل يوم في نقل رقم كهذا: A6.24876901 إلى البطاقات مئات المرات كل يوم؛ أمر رهيب. ولو كان يعرف ما هو هذا الـA6 لهان الأمر، ثم حتى لو عرف، لما استفاد شيئاً، إذ ربما يكون رمزاً لنوع معين من دهان السيارات. ويمكن الرجوع، بالطبع، إلى الدليل الشامل الذي يوضح هذا الـA6 الشرير.

وجدت عملنا مصوراً تصويراً عبقرياً في فيلم شارلي شابلن (العصور الحديثة). إذ يقف العامل أمام الماكينة مؤدياً حركة واحدة ألوف ألوف المرات، حتى أخذت يده وهو بعيد عن الماكينة تتحرك حركة عصبية مشابهة لحركتها أمام الآلة. وقد وجدنا عند توفيق الحكيم في (عصفور من الشرق) استهجاناً مشابهاً للآلية الحديثة.

كان يشرف على كل ردهة من ردهات الكتبة للمنكبين على بطاقاتهم شخص إنجليزي يجلس في غرفة زجاجية. وعلى عادة الإنجليز، لا ينشئ هذا الشخص علاقة بشرية مع الذين يعملون تحت إمرته، كأن رواية (أي إم فورستر) (الطريق إلى الهند) لم تكتب بعد، ولم تؤثر فيهم، مع أنها كتبت في أوائل عشرينات هذا القرن. وكنت أحدِّث بدر السياب عنها، وعن قدرة فورستر على التعاطف البشري الذي اختزله بعبارة (اتصل فقط)».

arabstoday

GMT 08:40 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 06:34 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

المصريون والأحزاب

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2025 السبت ,05 إبريل / نيسان

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياب في المخزن السياب في المخزن



أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - السعودية اليوم

GMT 14:07 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ساركوزي يصر على إثبات براءته ويصف التجربة بأنها درس حياتي
 العرب اليوم - ساركوزي يصر على إثبات براءته ويصف التجربة بأنها درس حياتي

GMT 16:58 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تبحث توقيع أطول اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة
 العرب اليوم - إسرائيل تبحث توقيع أطول اتفاق عسكري مع الولايات المتحدة

GMT 07:49 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إسعاد يونس تصدم الجمهور بخبر عن عادل إمام
 العرب اليوم - إسعاد يونس تصدم الجمهور بخبر عن عادل إمام

GMT 10:17 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يطلق قريباً نظام حجز أسماء المستخدمين
 العرب اليوم - "واتساب" يطلق قريباً نظام حجز أسماء المستخدمين

GMT 19:06 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف فحصًا جديدًا أدق لتشخيص أمراض الكلى

GMT 17:52 2025 الإثنين ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير يجذب 19 ألف زائر يوميا

GMT 18:30 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

مبابي يتعهد بتكريم ضحايا هجمات باريس خلال مواجهة أوكرانيا

GMT 10:17 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يطلق قريباً نظام حجز أسماء المستخدمين

GMT 02:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يؤكد لا يمكن الحكم والشعب جائع

GMT 02:55 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 10:25 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

9 أعراض لنقص المغنيسيوم في الجسم أبرزها الصداع والأرق
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab