بقلم : سليمان جودة
المؤكد أن دين الإسلام أوسع من الزاوية التى راح عباس عراقجى، وزير خارجية إيران، يتطلع منها إليه وهو يزور القاهرة.
لقد زار منطقة خان الخليلى، وتناول طعامه فى واحد من مطاعمها، ولكن الأهم بالنسبة له لم يكن زيارة هذه المنطقة الغنية بكل ما فيها، ولا كان الأهم أن يتناول الطعام فى المطعم الذى يحمل اسم أديب نوبل نجيب محفوظ.. لا.. وإنما الأهم كان أن يزور مسجد مولانا الحسين، وأن يصلى بالطبع فيه. ولا شك أن فى زيارة مسجد الحسين ما يريح القلب والروح، ولا شك أيضا أن كثيرين من زوار قاهرة المعز لا يشعرون بأنهم زاروها إذا لم يزوروا الحسين.. أقصد الحسين هنا كمنطقة وكمسجد معا لأن فيها بهذا المعنى الأشمل ما يتسع للجميع.
والذين يزورونها بهذا المعنى الأوسع يزورون شارع المعز، ومقهى أم كلثوم، والغورية، والجمالية، ومقهى أديب نوبل، والأزهر، ويتوقفون عند أبواب القاهرة القديمة، ويتجولون فى المنطقة بأكملها فيشعرون بامتلاء روحى نادر.
ولكن الإخوة فى إيران لا يرون فيها غير مسجد الحسين.. إن له قيمة عالية بالطبع لدى كل مسلم فى العموم، إلا أن الوزير عراقجى عندما ذهب يصلى فيه، قد فعل ذلك على أساس ما يمثله لدى الشيعة على وجه التحديد.. وهذا ما يثير الضيق فى الحقيقة.. لأن سماحة هذا الدين تجعله أوسع وأشمل، ولا تقف به عند حدود التمسك برمز معين، فى مكان محدد، لأتباع مذهب دون سواهم.
المصريون لا يعرفون هذه التفرقة بين ما هو كذا فى إيران، وبين ما هو كذا هنا، والدولة الفاطمية التى جاءت بالمذهب الشيعى إلينا، وعاشت به قرنين من الزمان، لم تفلح فى تغيير هذه الطبيعة السمحة للدين لدى المصريين.
فلقد بقى المصرى يزور الحسين، والسيدة نفيسة، والسيدة زينب، والأزهر، ومسجد الإمام الشافعى، فلا يفرق بينها جميعا، ولا يقصد هذا الضريح على أن صاحبه سُنى، أو ذاك على أن صاحبه شيعى.. ففى الحالتين هو مسلم وفقط، ولا شىء أكثر من ذلك ولا أقل.
وما فعله الوزير عراقجى فعله كل مسؤول إيرانى سبقه إلى القاهرة، التى تتسع فلا تضيق عند رمز بعينه أو مسجد فى حدوده.. القاهرة أغنى فى تاريخها ومعتقدها من أن يتم اختزالها فى منطقة محددة، أو فى جامع معين.. وقد منحت هى الكثير من ثرائها وغناها للمصريين فعاشوا لا يفرقون بين أحد من الصحابة، أو أهل البيت، وعاشوا يتطلعون إلى الجميع بعين واحدة لا بعينين مختلفتين.