بقلم: سليمان جودة
لا بد أن علم النفس السياسى مدعو إلى دراسة حالة الرئيس ترامب الذى لا يكاد يحتفظ بصديق، والذى لا يستيقظ فى كل نهار إلا ليبدل فى قائمة الأصدقاء فينقلهم إلى خانة الأعداء.
آخر الأمثلة نراها فى الرئيس الروسى بوتين، الذى انحاز إليه ترامب على طول الخط منذ أن دخل البيت الأبيض فى أول السنة، فكان يمتدحه ولا يتوقف عن الثناء عليه، وكانت أوروبا كلها غاضبة من هذا المديح ومن ذاك الثناء، وكانت ترى العلاقة بينهما على حساب علاقة تاريخية ربطت الولايات المتحدة بالقارة الأوروبية.
ولكننا نقرأ اليوم أن ترامب يهاجم بوتين كما لم يهاجمه أحد، ويصفه بأنه راغب فى قتل الناس، وأنه لا يريد وقف الحرب الروسية الأوكرانية. ليس هذا وفقط، ولكن الرئيس الأمريكى يقول إنه سيفرض عقوبات قاسية على روسيا، وأن الولايات المتحدة ستقصف موسكو إذا هاجمت القوات الروسية أوكرانيا.. سبحان مغير الأحوال.. ففى البداية منع ترامب السلاح الأمريكى عن الأوكرانيين وتركهم فريسة فى أيدى الروس!.
والمؤكد أن حالة بوتين ليست فريدة من نوعها، لأن أمامنا حالة إيلون ماسك لا تختلف عنها، بل تضرب المثال على الطريقة التى يمكن بها صناعة الخصوم والأعداء بسهولة وسرعة.. فلم يكن أحد أقرب إلى ترامب من ماسك، ومن شدة ثقته فيه أسند له وزارة سماها وزارة كفاءة الإنفاق أو شىء بهذا المعنى، وكان الملياردير ماسك إذا اختلف مع أحد من فريق عمل البيت الأبيض انحاز إليه ترامب، وكان ينصره ظالماً ومظلوماً.
ولكن فى أقل من ستة أشهر انقلب ماسك إلى خصم، بل إلى عدو، ولم يجد الاثنان حرجاً فى تبادل الهجوم علناً، وبلغ الغضب الرئاسى على الملياردير المغضوب عليه إلى حد أن ترامب هدده على الملأ بترحيله إلى جنوب إفريقيا التى وُلد فيها وجاء منها!.
هذان مجرد مثالين، وهناك سواهما الكثير إذا أغراك العد والإحصاء، وسوف تجد أن سيد البيت الأبيض يبدل فى قائمة الأصدقاء كما يبدل ثيابه، وأن فلاناً يبيت أقرب الناس إليه، ثم يصبح وقد صار الأبعد عنه.. فكيف يمكن للعالم أن يستقر على حال، إذا كانت هذه هى حالة رئيس أقوى الدول فيه؟.
من سوء طالع العالم أن يكون الرئيس الأمريكى السابع والأربعون مُطوراً عقارياً لا رجل سياسة، وأن يبدو مزاجه السياسى المتقلب أقرب إلى البورصات التى لا تستقر على وضع، منه إلى مبادئ السياسة التى يعرفها الساسة المحترفون.