بقلم : سليمان جودة
عاش العالم يتفرج على قتل أهل غزة لأكثر من عام ونصف العام، ثم عاد يتفرج على الهند وباكستان وهُما تتصارعان بالمُسيرات وغير المّسيرات. فلا شىء يبادر به العالم سوى إطلاق صيحات سخيفة تدعو الطرفين إلى «ضبط النفس» !.. وهى عبارة فقدت معناها من طول ما أطلقها العالم فى مناطق صراعات كثيرة دون أن يكون لها أى صدى على الأرض.. فكأن الهند إذا سمعت مثل هذه الصيحة سوف تتوقف عن إطلاق الصواريخ على الباكستان، أو كأن الباكستان سوف تفعل الشىء نفسه فى المقابل!.
وأنت إذا ألقيت نظرة على خريطة العالم، سوف تكتشف أن تأجيج الصراعات هو القاعدة لا إطفاء نارها، وقد كانت النتيجة أنه لا يوجد ركن تقريبًا فى أنحاء الكوكب، إلا والنار تمسك فى طرف جلباب دولة فيه هنا أو هناك!.. وقد سمعنا عن عواصم كثيرة تُبدى استعدادها للتدخل بين الهند والباكستان، ثم لا شىء بعد ذلك غير إبداء الاستعداد، وكأن كل عاصمة تنتظر أن يدمر البلدان بعضهما البعض، ثم تسعى بينها بالوساطة بعد ذلك لا قبل!
لم نسمع عن مسؤول أمريكى بادر بوساطة هى مطلوبة بقوة وسرعة، رغم ثرثرة الرئيس الأمريكى عن أنه مستعد للتدخل، وعن أن الهنود والباكستانيين لا بد أن يلتزموا الهدوء، وعن أنه منزعج للتوتر المتصاعد بين الفريقين.. وعن.. وعن.. وكله كلام كما ترى لا يؤدى إلى شىء!.
باستثناء عادل الجبير، وزير الشؤون الخارجية السعودى، لم نسمع أن مسئولًا دوليًا أو إقليميًا طار إلى نيودلهى فى الهند، ولا إلى إسلام اباد فى الباكستان، ولا سمعنا أن أنطونى جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، بادر إلى شىء مما تفرضه عليه مقتضيات منصبه!
أخطر ما فى المواجهة بين البلدين، أنها بين دولتين نوويتين، وهذا يعنى محو الدولتين من الوجود، أو مساحات منهما على الأقل، إذا انتقلت المواجهة من الأسلحة التقليدية إلى السلاح النووى بكل ما نعرفه عن عواقب استخدامه فى أى مكان.. وليست مدينة هيروشيما اليابانية بعيدة عنا، ولا نجازاكى اليابانية أيضًا.. فما جرى فيهما فى 6 ثم 9 أغسطس 1945 تعجز عن التعبير عنه الكلمات.
يبدو أن رغبة شركات السلاح فى تسويق بضاعتها صارت أقوى من كل محاولة لإحلال السلام فى أى بقعة فى أنحاء الأرض، ويبدو العالم التعيس وكأن أصحاب هذه الشركات هُم الذين يحكمونه، لا الساسة الذين نراهم فى المشهد أمامنا.
وإذا كان البلدان قد اتفقا فى ساعة متأخرة من نهار أمس على الوقف الفورى للقتال، فهذا مؤشر على أن منطق الساسة قد تغلب بشق الأنفس على مطامع شركات السلاح، وهذا أيضًا من نوع الفأل الحسن فى عالم لا شىء يدعو إلى الفأل الحسن فيه.