كامل زهيرى بين تنوع الإبداع وصلابة الموقف

كامل زهيرى.. بين تنوع الإبداع وصلابة الموقف

كامل زهيرى.. بين تنوع الإبداع وصلابة الموقف

 العرب اليوم -

كامل زهيرى بين تنوع الإبداع وصلابة الموقف

بقلم : فاروق جويدة

 فى حديقة الثقافة المصرية أشجار متنوعة فى ثمارها وظلالها وشموخها ، وهذا التنوع منحها القيمة والتفرد والعمق ، ومن الصعب أن تجد تشابها أو صورا مكررة لأن لكل شجرة تفردها.. أقول ذلك وأتوقف أمام رمز متفرد من رموز الثقافة المصرية وهو كامل زهيري، ولا أدرى عن أى الجوانب فى شخصية هذا المبدع المتفرد، هل هو التنوع فى ثراء شخصيته أم هى مواقفه أم هو فكره الذى تجول به كثيرا فى آفاق غير محدودة.. عرفت كامل زهيرى فى سنواته الأخيرة وإن تابعت مشواره كاتبا ومفكرا وصاحب مواقف..

ـــــ فى مشوار كامل زهيرى ثلاثة محاور لم يتخل عن أحد منها؛ كان تركيبة ثقافية جمعت الثقافة العربية بكل جذورها والثقافة الغربية ، وقدم هذا التلاقى فى رؤى اتسمت بالعمق والتنوع.. درس فى السوربون مثل كثيرين فى مواكب الثقافة المصرية: توفيق الحكيم وطه حسين ومحمد مندور وعبدالرحمن بدوي، وقبلهم أمير الشعراء وهيكل باشا.. كان كامل زهيرى أحد رموز هذه الكوكبة، ولكنه كان أكثر اختلافا فى تنوع اهتماماته بين الفكر والصحافة وقضايا الحريات..

كلما كنت أجلس مع كامل زهيرى أحتار فى اختيار موضوع للحوار، وأشعر بأن الوقت لا يكفى وبأن هذا النهر المتدفق بالمعرفة غزير بحيث يصعب احتواء كل ما فيه.. وفى سجل حياته صفحات كثيرة وغريبة ومتشعبة.. عمل فى أول حياته فى الهند، وأجاد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وكان نقيبًا للصحفيين أكثر من مرة.. وكان مع السلطة وضد السلطة، وقَبِل المناصب الصحفية ولم يفرط فى استقلال قلمه وحرية رأيه ورحابة فكره..

ـــــ عاد كامل زهيرى من رحلته فى فرنسا مؤمنا بقضايا الحرية، وأن مصر تستحق تجربة ديمقراطية كاملة رأيا وفكرا وأحزابا ودستورا.. وكانت تجربته نقيبا للصحفيين فترتين تأكيدا لقناعاته بأن حرية الصحافة أول الطريق، وكانت كتاباته ومواقفه وتحدياته تحمل إيمانه الشديد بالحرية.. كانت قضية الحرية واحدة من أهم الثوابت فى فكر ومواقف كامل زهيري، وكانت هى المنطلق لكل قناعاته ومواقفه..

حين كتب كتابه الأشهر النيل فى خطر رافضا فكرة توصيل مياه النيل إلى إسرائيل بعد توقيع اتفاقية السلام فى كامب ديفيد، لم يتردد كامل زهيرى فى إعلان رفضه الاتفاقية، وكان ذلك سببا لاشتداد الخلاف بينه وبين السادات.. ورفض التطبيع مع إسرائيل برغم أنف اتفاقية السلام وبقى محافظًا على عهده .. أن مياه النيل قضية حياة أو موت، وأن مصر يجب أن يكون النيل فى مقدمة أولوياتها.

وحارب بضراوة فكرة حصول إسرائيل على مياه النيل، وقال يومها إنها كارثة.. وفى كتابه النيل فى خطر فند كامل زهيرى مطامع إسرائيل فى سيناء وفى النيل بالحجج والوثائق..

ـــــــ كانت نقابة الصحفيين شغله الشاغل فى كل الأوقات، سواء كان نقيبًا أو خارج مجلسها، وكان يعتبر نفسه الأب الروحى لهذه النقابة، وكان الصحفيون يعتبرونه شيخ المهنة وفارسًا من فرسانها الكبار..

عندما واجهت أزمة التوريث مع قضاة مصر، فى العهد السابق، أقامت نقابة الصحفيين حفلًا لتكريمي، وفوجئت بأن كامل زهيرى كان فى مقدمة الحاضرين..

كان فنانًا حساسًا مجاملًا، وكانت لديه قدرات خاصة فى الحوار، وكان خطيبًا مفوهًا عاشقًا للغة العربية، وكثيرًا ما كان يصول ويجول فى معارك الفكر دفاعًا عن حرية الكلمة واستقلال النقابة.. خاض ثلاث معارك فى وقت واحد:حرية الصحافة ونقابة حرة، وسلام مستحيل مع إسرائيل رغم توقيع كامب ديفيد، وأن النيل فى خطر ويجب أن نتوقع أن تزداد المخاطر وأن تكون مصر على استعداد دائما لحماية نهرها الخالد..

ـــــــ كان كامل زهيرى متعدد المواهب فى قراءة الفنون: اللوحة والقصيدة واللحن.. كان يمثل مصدرًا ومرجعية للقاهرة وكانت لديه ذاكرة تاريخية حفظت معالم القاهرة حيًا حيًا وشارعًا شارعًا، واستطاع أن يحفظ الأماكن وتاريخها ويحفظ للزمان عبقه ورونقه.. إنه يعرف القاهرة بكل مراحلها: فاطمية وإسلامية ومسيحية وأيوبية وإخشيدية، وكان يعرف عناوين الفنانين والمشاهير ورموز الأدب والثقافة ويقول لك أين ولدت هذه الرموز وأين عاشت وما هى ملامح كل عصر ورمز ومكان.. كان يحب الأماكن حبه للبشر، وكان يحفظ الملامح والوجوه.. وكان يحفظ جغرافيا القاهرة، أحياءها وشوارعها وبيوتها فى شارع السد فى السيدة زينب يقول لك من عاش ومن سكن ومن هاجر، وفى الحسين والجمالية يحكى لك تفاصيل عاشق أحب الأماكن ثم أحب الأزمنة وأدرك أقدار البشر. كانت ذاكرة كامل زهيرى ذاكرة مصر كلها..

اتفقنا يومًا، أنيس منصور وكامل زهيرى وأنا، أن يأخذنا فى جولة فى أحياء القاهرة وبيوتها وأماكنها، وكان من سوء حظى أننى سافرت خارج مصر، وحرمنى السفر أن أشارك فى هذه المتعة.. وكما قرأ تراث وطنه قرأ تراث الآخرين،

ـــــــ كان محبًا للغرب وثقافته دون انبهار، وعاشقًا للثقافة العربية تاريخًا وامتدادًا ودورًا، ولم يفقد إيمانه بالعروبة برغم كل العواصف التى عصفت بالفكرة وأطاحت بالكثير من جذورها ومرجعيتها.. وكان يرى أن الحوار مع الغرب هو أفضل وسيلة للتصالح والمعرفة، واعترف بفضلهم على المعرفة، وأن العلم هو طريقنا للتقدم فى كل المجالات. فليس للمعرفة وطن وليس للثقافة حدود..

ـــــــ ومع كل هذه الجوانب فى شخصية وتكوين كامل زهيرى الكاتب والصحفى والسياسى والنقابي، كان من الصعب وضعه فى إطار أيديولوجي. فقد كان أكبر من أن تبهره فكرة مهما كانت مصادرها، وأرحب من أن يحتويه خندق فكرى محدود.. كان يساريًا، ليبراليًا، اشتراكيًا، وقبل هذا كله كان إنسانًا بكل ما تعنى الكلمة من رحابة الفكر وسماحة الرؤى. ولم ينس وسط هذا كله أن يكون عاشقًا للمرأة ومدافعًا عنها فى كل مراحل حياته..

فهو تركيبة تدعو للانبهار والتقدير فى وقت واحد. يبهرك فيه حماسه الشديد وحبه للحياة وشبابه الدائم وحيويته التى لم يغيرها الزمن، وتقدر فيه هذا البناء الفكرى والعقلى والوجدانى المتماسك والمتنوع، وكيف أجهد نفسه فى تشييد هذا البناء على امتداد سنوات عمره.. وأى زمان سوف يجود علينا بمثل هذه الموهبة العظيمة وهذا الحضور الطاغي..

لم يكن كامل زهيرى مثقفًا كبيرًا حلق بنا بعيدًا فحسب، ولكنه كان ذاكرة للوطن وضميرًا حيًا لكل ما هو جميل ورائع فيه..

                         * * *

..ويبقى الشعر

 

مثـْـلُ النـَّوارس ِ..

حينَ يـَأتى اللـَّيْـلُ يَحْمِلـُنِى الأسَى

وأحنُّ للشـَّط ّ البَعيدْ

مثـْـلُ النـَّوارس ِ..

أعْشـَقُ الشـُّطآنَ أحْيانـًا

وأعشَقُ دَنـْدنـَات الرّيح ِ.. والموْجَ العَنِيدْ

مثـْـلُ النـَّوارس ِ..

أجْمَلُ اللــَّحظـَاتِ عِنـْدِى

أنْ أنـَامَ عَـلى عُيُون ِ الفـَجر

أنْ ألـْهُو مَعَ الأطـْفـَال فِى أيَّام عيـِدْ

مثـْـلُ النـَّوارس ِ..

لاأرَى شَيـْئـًا أمَامِى

غـَير هَذا الأفـْق ِ..

لا أدْرى مَدَاهُ .. وَلا أريدْ

مثـْـلُ النـَّوارس ِ..

لا أحبُّ زَوَابعَ الشُّطـْآن ِ..

لا أرْضَى سُجُونَ القـَهْر ..

لا أرْتاحُ فى خـُبْز العَبيدْ

مثـْـلُ النـَّوارس ِ..

لا أحِبُّ العَيْشَ فِى سَفحْ الجبَال..

وَلا أحِبُّ العشْقَ فى صَدر الظـَّلام ِ

وَلا أحِبُّ الموْت فِى صَمتِ الجَليدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

أقـْطفُ اللـَّحظاتِ مِن فـَم الزَّمَان ِ

لـَتحتوينـِى فـَرْحة ٌ عَذراءُ

فِى يَوْم ٍ سَعِيدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

تعْتـَريــِنـِى رعْشَة ٌ .. وَيَدُقُّ قـَلبـِى

حِينَ تـَأتِى مَوْجَة ٌ

بالشَّوْق ِ تـُسـكرُنِى .. وأسْـكِرُهَا

وأسْألـُهَا المزيدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

تـَهْدأ الأشْواقُ فِى قـَلبى قليــِلا ً

ثـُمَّ يُوقظـُهَا صُرَاخُ الضَّوءِ

والصُّبحُ الوَليدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

أشـْتـَهـِى قلـْبًا يعانِقـُنِى

فأنـْسَى عنـدُه سَأمِى ..

وَأطـْوى مِحنـَة َ الزَّمَن ِالبَلِـيدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

لا أحَلـّق فِى الظـّلام ِ ..

وَلا أحبُّ قوافِلَ التـَّرحَال ِ..

فِى اللـَّيْـل الطـَّريدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

لا أخَافُ الموْجَ

حِينَ يَـثـُورُ فِى وَجْهـِى .. وَيَشْطـُرُنِى

وَيبْدُو فِى سَوَادِ اللــَّيل كالقـَدر العَـتيدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

لا أحبُّ حَدَائقَ الأشجَار خـَاوَيـَة ً

وَيُطـْربُنـِى بَريقُ الضَّوْءِ

وَالمْوجُ الشَّريدْ

مثـْلُ النـَّوارس ِ ..

لا أمَلُّ مَوَاكِبَ السَّفـَر الطـَّويل ِ..

وَحِينَ أغـْفـُو سَاعة ً

أصْحُو .. وَأبحرُ مِنْ جَديـِدْ

كـَمْ عِشْتُ أسْألُ مَا الـَّذى يَبْقى

إذا انـْطفـَأتْ عُيُونُ الصُّبحِ

واخـْتـَنـَقـَتْ شُموعُ القـَلـْبِ

وَانكسرَتْ ضُلوعُ الموْج ِ

فِى حُزن ٍ شديدْ ؟!

لا شَىْءَ يَبْقـَى ..

حِينَ ينـْكسرُ الجنـَاحُ

يَذوبُ ضَوءُ الشَّمْس

تـَسْكـُنُ رَفرفـَاتُ القـَلـْبِ

يَغمُرنا مَعَ الصَّمتِ الجَليـِدْ

لا شَىءَ يَبْقـَى غـَيُر صَوْتِ الرّيح

يَحمِلُ بَعْضَ ريشى فـَوْقَ أجْنِحَةِ المسَاءِ ..

يَعُودُ يُلقيها إلى الشـَّط ّ البَعيدْ

فأعُودُ ألـْقِى للرّيَاح سَفِينتِى

وأغـُوصُ فى بَحْر الهُمُوم ِ..

يَشـُدُّنى صَمْتٌ وَئيدْ

وَأنـَا وَرَاءَ الأفق ِ ذكـْرَى نـَوْرس ٍ

غـَنـَّى .. وَأطـْرَبَهُ النـَّشِـيدْ

كـُلُّ النـَّوارس ِ ..

قبْـلَ أنْ تـَمْضِى تـُغـَنـّى سَاعَة ً

وَالدَّهْرُ يَسْمَعُ مَا يُريدْ

arabstoday

GMT 08:20 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

جبر.. وفن الحوار

GMT 08:15 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

خطوة بحجم زلزال

GMT 08:07 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

كوزموبوليتانية الإسلام السياسي

GMT 07:58 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

بور سعيد «رايح جاي»!

GMT 07:51 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

سيدة الإليزيه!

GMT 07:43 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

الأسئلة الصعبة؟!

GMT 07:31 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

العودة إلى الميدان!

GMT 07:22 2025 الأحد ,21 أيلول / سبتمبر

إبادة شاملة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كامل زهيرى بين تنوع الإبداع وصلابة الموقف كامل زهيرى بين تنوع الإبداع وصلابة الموقف



رحمة رياض تتألق بإطلالات صباحية أنيقة وعصرية تناسب أجواء الخريف

بغداد ـ العرب اليوم

GMT 05:11 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

إسرائيل والزمن

GMT 06:05 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

إسرائيل... وأوان مواجهة خارج الصندوق

GMT 04:18 2025 السبت ,20 أيلول / سبتمبر

ترامب يفرض رسومًا جديدة للحصول على إتش- 1 بي

GMT 13:52 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

هل يوقظ شَيْبُ عبدالمطلب أوهام النتن ياهو ؟!

GMT 03:19 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

النفط دون تغير يذكر وسط مخاوف بشأن الطلب

GMT 03:38 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

سلسلة انفجارات متتالية تهز مدينة غزة

GMT 03:23 2025 الجمعة ,19 أيلول / سبتمبر

«أبل» تستعد لإطلاق أرخص «ماك بوك» في تاريخها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab