بقلم : فاروق جويدة
أحيانًا ليس عيبًا ولا تراجعًا أن يعترف الإنسان بأن المشوار أرهقه، وأن الجسد لم يعد قادرًا على تحمّل متاعب الرحلة، وأن العبء أصبح ثقيلًا، وأن القلب الذى حمل الأحلام للدنيا قد أتعبه السفر. فى كثير من الأوقات يصبح العبء ثقيلًا أمام تحديات لم يعد القلب قادرًا على أن يقاومها.
فى قاموس الحياة شيء يُسمّى استراحة محارب، كان الفارس حين تزداد حوله الصعاب يجلس مع نفسه، ومع سنوات العمر التى تسربت، ومع أحلام كثيرة أُجهضت، ومع واقع ضاق به الجسد. يستعيد الإنسان رحلته، وينظر حوله: ما الذى تحقق فيها؟ وكيف خذلته الأمانى والأحلام؟
كنتُ دائمًا أرى السعادة وطنًا يُقدّر كرامة أبنائه، وأن الأرض لنا جميعًا، وأنه من الظلم أن تحقق أحلامك وطموحاتك على أشلاء الآخرين، وأن الكرامة تسبق الحلم، والقناعة تسبق الغِنى، وأن قليلًا من الرضا يمكن أن يكون سفينة النجاة.
تغيّرت الأشياء حولى ووجدت نفسى وحيدًا. رحل الأصدقاء، وفارق الأحباب، واختلفت الأماكن، وابتعدت الأشياء، واكتشفت أن الفقر الحقيقى ليس قلة المال، ولكن رصيد الكرامة. وأن أعداء الحياة حشود من الخوف والامتهان، وأن الحياة بغير العدل تصبح غابة، ودون الحق وهم كاذب.
وأن أسوأ ما يُصيب الإنسان خراب الفكر وسطحية الرؤى وامتهان الكرامة، حين يعجز الإنسان عن أن يصون قدسية أحلامه وحرية فكره، وأوطانا تصون كرامته.. من حقه أن يطالب بـ استراحة محارب.
كثيرون غيرى يجلسون الآن على شواطئ الذكريات: العمر، والسنين، والوجوه، والصدق، والأكاذيب، ويطلبون الراحة لأحلامهم، وللأسف لا أحد يسمعهم.. ومن حقهم أن يطلبوا استراحة محارب..