بقلم : فاروق جويدة
أصعب الأشياء في رحلة العمر خيانة الحلم وخيانة الإحساس وخيانة الكلمة ، وإذا خانك الحلم فلن تجد بديلاً له، لأن الأحلام لا تُعوض، والحلم يختار وقت رحيله، وهو عادةً يتخلي عنك في أوقات الخريف، حين تسقط أوراق الشجر وتعصف الرياح بسنوات العمر، وتنظر حولك وتكتشف أن الأحباب رحلوا، والأصدقاء سافروا، وتنتظر أن يدق بابك حبيب أو صديق، ولا تجد أمامك غير الصمت.
إن غياب الأحلام أكبر أحزان العمر حين يُحاصرنا الخريف، وكثيرا ما يتخلي عنا الإحساس، ونفقد القدرة علي التواصل مع الآخرين، تغيب المشاعر وتختفي اللهفة، ويحتوينا إحساس بالغربة.
من أجمل الأشياء في الدنيا أن تُحب وتُحب، ومن أصعب الأشياء أن تفقد القدرة علي أن تُحب، ويصبح الحب طيفاً غريباً.. وما بين غياب الحلم ورحيل المشاعر يجيء الحزن الأكبر، وهو تمرد الكلمة، إنها تأخذ أوراقها في ليلة شتوية حزينة، وتغلق الباب خلفها وترحل.
قد تكون إحساساً غاب، أو لهفةً اختفت، أو أشواقاً تأبي الرجوع، ساعتها تشعر ببرودة الأيام ووحشة الأماكن، وتجلس وحيداً تطارد حلماً لا يجيء، وإحساساً تَخَلّي، وكلمةً نسيتها، قد تكون عتاباً للزمن أو استرجاعاً لما لا يجيء، أو قصيدةً تبدأ أبياتها وتَرفُض أن تكتمل.
وتجلس وحيداً تسمع أغنية حزينة:
يا لذكراك التي عاشت بها روحي علي الوهم سنيناً
ذهبت من خاطري إلا صديً يعتادني حيناً فحيناً.
وتجلس وحيداً في رحلة الخريف، تستجدي حلماً لا يجيء، وإحساساً يأبي أن يعود، وكلمةً اختنقت بين الصمت والخوف والإنكار.. قد تكون كلمة عتاب، أو شوق، أو لهفة، وأصعب الأشياء أن تكون قصيدة.